وقومه، وقد كان أشد طاغية في عصره، لبيان أنه لَا يستعصى على اللَّه تدمير عاص مهما يكن طغيانه، وهو الذي كان يعبد، ويقول لهم (.. مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرِي..)، وقال تعالى:
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ) وهو التوراة، وقد أكد سبحانه وتعالى نزوله صادقا باللام وبقد، فهذا يدل على صدق النزول، ولا يدل على صداق البقاء فقد نسوا حظا مما ذكروا به، وحرفوا الكلم عن مواضعه، وأفرد موسى بأنه أوتي الكتاب، ولم يكن معه أخوه هارون، فهو الذي تلقى الألواح العشرة، وهارون كان مؤازرا له، معينا في أداء الرسالة، والذي تلقاها كاملة هو موسى، ولذا قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَرونَ وَزِيرًا) أي مؤازرا معاونا استجابة لطلب موسى في قوله: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢).
وقد أرسلا معا إلى فرعون:
(فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (٣٦)
الفاء عاطفة للترتيب في أنه عند إرادة الجعل وزيرا لموسى كلفهما بالتبليغ معا، فقال لهما، وأضاف سبحانه القول إلى ذاته العلية تشريفا لهما وتنويها بأمرهما، وقوله تعالى: (اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا) الأمر بالذهاب يومئ إلى أنهما مقدمان على أمر جليل في شأنه، خطير في ذاته؛ لأنه لقوم عتاة، يسبقون إلى الكفر بدل السبق بالإيمان.
وقد وصفهم اللَّه سبحانه وتعالى بأنهم كذبوا بآيات اللَّه مع التكذيب بعد الذهاب، وبعدما آتى الله تعالى موسى تسع آيات مبينات، فكيف يكونون موصوفين بذلك عند الذهاب، والجواب عن ذلك أنه أخبر بالماضي، لبيان تأكد الدفوع منهم، كما في قوله تعالى: (أَتي أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ)، وكما في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَق الْقَمَرُ)، عند بعض المفسرين الذين يقولون: إن انشقاق القمر يوم البعث.
والتدمير إدخال الهلاك في الشيء، أو الهلاك، والفاء أيضا للعطف


الصفحة التالية
Icon