قال عز من قائل:
(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (٤)
(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً)، أي معجزة من السماء قاهرة تقسرهم على الإيمان قسرا بحيث لَا يكون لديهم احتمال التكذيب أو الرد، أو التفكير، فيؤمنوا مقهورين مقسورين، غير مفكرين، وما كانت مثل هذه الآية من عند بعث أي رسول، بل كانت عقابا عاجلا في الدنيا على كفرهم على الاختيار، وبها ينتهي أمرهم وجدلهم.
والتعليق بـ (إنْ) يومئ إلى أن اللَّه لَا يغفل جلت قدرته؛ لأنه سبحانه كما تدل أعماله، يريد التكليف لَا مجرد الامتناع عن الشر والعصيان.
وقال سبحانه ما يدل على أن الآية التي لو شاء لأنزلها قاهرة مانعة من المخانعة، ولذا قال (عليهم) الدالة بكلمة (على) على القهر والقسرة، وذلك غير ما أودعه اللَّه الإنسان من علم وفكر أراد له به الخلافة في الأرض، وفضله على الخلق أجمعين، حتى على الملائكة، إن استقام وسار على الجادة.
(فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)، أي فظلوا واستمروا لها خاضعين، وعبر عن خضوعهم بالأعناق على سبيل المجاز المرسل، إذ عبر باسم الجزء عن الكل، لأن لهذا الجزء مزية في هذا المقام عن بقية الأجزاء، إذ هو مظهر الخضوع والخنوع، وللإشارة إلى أن استكبار الكافرين هو الذي منعهم من الإيمان فعبر بهذا للدلالة على أنهم يخضعون ولأن العنق يعبر به عن الكبراء المتجبرين، فيقال عنق القوم أي كبارهم المسيطرون أو المتغطرسون، وهذه الآية كقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)
وكقوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) وعبر بخاضعين التي هي وصف العقلاء بدل خاضعات التي هي مقتضى السياق للدلالة على أن المقصود من ذلك هو الأشخاص.


الصفحة التالية
Icon