كلمة الذين كفروا السفلي، وكلمة الحق هي العليا بتوالي هزائم الشرك حتى تطهر منه أرض العرب، وفي الآخرة بعذاب الجحيم، ولذا قال تعالى: (فَسَيَأتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءونَ) الفاء كما أشرنا لبيان أن ما بعدها مترتب على ما قبلها والسبب لتأكيد الوقوع في المستقبل، والأنباء هنا الوقائع التي أنبا عنها القرآن الكريم، والنبي الحكيم، فهم يرون هذه الأخبار وقائع تقرع حسهم، وتنبه غافلهم، وتوجه اليقظ إلى الحق الصريح الواضح البين.
وقوله تعالى: (أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) توبيخ لهم على استهزائهم، وقد كان له هذه الوقائع القارعة، وتقديم الجار والمجرور على يستهزئون فيه اختصاص نسبي، أي لَا يستهزئون إلا بالحق، وقلوبهم معرضة، ونفوسهم مصروفة عن الحق إلى الباطل، فلا يستهزئون له، وهذا تصوير نفسي لانحرافهم عن الجادة، والتواء تفكير، حتى لَا يكون منهم إلا الباطل وتأييده، ونصرته.
وإن هذه الآية كقوله تعالي: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥).
مع لجاجتهم في الكفر والتكذيب والاستهزاء يذكرهم تعالى بنعمه عليهم بإيجاز فيقول:
(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
- الهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى التوبيخ، والواو عاطفة على فعل محذوف تقديره في القول افعلوا ذلك، ولم ينظروا، وهذا توبيخ على فعلهم؛ لأنهم استهزءوا بالحق، ونعم اللَّه تحوطهم وتستغرقهم (يَرَوا) معناه يرون، ولكنها هنا نظرة تأملية متتبعة وليست نظرة عاجلة خاضعة، بل ترجع البصر حينا بعد حين؛ ولذا كانت التعدية للدلالة على التتبع متبصرين إلى الأرض كيف ينبت


الصفحة التالية
Icon