الْعَذَاب... (٥)
الإشارة إلى المتصفين بعدم الإيمان باليوم الآخر، وتزيين العمل السيئ لهم، فحسبوه حسنا، وما هو بحسن، وهذه الأحوال هي سبب العذاب لأن ذكر الإشارة إلى الصفات يومئ إلى أن هذه الصفات هي سبب الحكم، وسوء العذاب هو العذاب الذي يسوء النفوس، ويشوي الوجوه، وهو النار الدائمة، والعذاب المقيم الدائم ما شاء الله تعالى أن تدوم، خالدين فيها أبدا. وقال اللَّه تعالى في بيان حالهم: (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) الأخسرون جمع أخسر، وهو أفعل تفضيل على غير بابه، أي هم الذين خسروا خسارة ليس فوقها خسارة أبدا، وفيه تأكيد للقول الكريم، وقد أكد ثانيا بـ (هم) التي تكررت، وأكد ثالثا بالقصر لتعريف الطرفين، أي هم وحدهم الأخسرون، ولا يخسر أحد سواهم.
بعد ذلك بين اللَّه تعالى معدن الهداية، وهو القرآن الكريم فقال:
(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦)
وتلقى معناها يلقى إليك بقوة فتلقاه راضيا بقوة متحملا ما يوجبه تحمله وتلقيه من صبر دائم، وجهاد مستمر ومصابرة لأعدائه، وتلقيه هو من عند اللَّه تعالى الحكيم الذي يعطي كلاما هو صالح، وهو عليم بالنفوس يطب لأدرانها بما يزيل أسقامها.
وهو وصف للقرآن الكريم باحكم الصفات وأعمقها في معناها.
فهو أولا من عند اللَّه، ولا يجيء من عند اللَّه إلا ما هو خير، وقد شرفه اللَّه تعالى بذلك الذي لَا يقدر قدره، وهو الحكيم الذي يشرع للناس ما يصلحهم في معادهم ومعاشهم، وما يجمع ويصلح، ولا يفرق ويشتت، وهو العليم بكل شيء، قد أحاط بكل شيء علما.
وقد أكد اللَّه تعالى القول، بخطاب النبي، وحمله عبء القرآن الكريم.
* * *