بربه، والكلام الذي كان بينهما، وذكر ارتباطه بالرسالة، ودليلها وهو العصا وإخراج اليد من الجيب بيضاء من غير سوء، وكونها في تسع آيات قدمها لفرعون برهانا على الرسالة، وإذا كانت بعض الأمور ذكرت مكررة كالعصا؛ فلأن المقام اقتضاها، وليست ثابتة بالقصد الأول، بل هي جاءت تابعة لإثبات الرسالة لموسى نفسه، لَا لإثباتها لغيره، وهو فرعون وقومه، أي لإثبات أن الذي يخاطبه من وراء الشجرة ربه، لَا أحد غيره.
كان موسى وأهله في ليلة ليلاء قرور شديد بردها، يلتمسون ما يستدفئون من نار، فنظر في الجو، فحسب أنه رأى نارا فقال لأهله: إني آنست نارا أي رأيت نارا قال وهو يتمناها، ويرعاها، كقوله تعالى: (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)، (سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَاب قَبَسٍ) أي إني ذاهب إليها لعلِّي آتيكم منها بخبر نستفيد منه علم ما لم نكن نعلم، أو شهاب، والشهاب هو الشعلة المشتعلة من نجم أو نار أو نحوها - وقبس بدل أو عطف بيان، والقبس هو القطعة من جذوة النار، أي آتيكم بقطعة من النار شديدة الاشتعال فنلقيها حول أحطاب نستدفئ منها، وهذا معنى (لعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي تستدفنون بها، فيقال من صلى قلبت التاء طاء؛ لأنها من حروف الإطباق أي رجاء أن تستدفئوا، ومؤدى ذلك أنهم كانوا في برد شديد، وهكذا عاش من تربى في بيت فرعون فهو يذوق الحر والبرد في صحراء، في هذا الوقت، وفي هذه
الشديدة، بعث موسى عليه السلام.
(فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨)
(مَن) هنا للعاقل، فالبركة ليست في شيء يتعلق بما يلهبها، إنما البركة والنماء والزيادة فيمن هو ذاهب إلى النار، ويوشك أن يكون فيها، وهو كليم اللَّه تعالى موسى عليه السلام؛ ولأنها بقعة مباركة فيها الملائكة، واختار اللَّه تعالى أن يخاطب نبيه الكليم الأمين فيها، عليه وعلى نبينا أزكى السلام.


الصفحة التالية
Icon