إله، كما يدعى لنفسه بين المصريين، ويقول مستخفا لهم (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، ووصف ذاته العلية بقوله: (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، أي القوي الغالب على كل شيء، الحكيم الذي يدبر الوجود كله على مقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء علما، وفي ذلك إشعار بأن فرعون الطاغية لن يرهبه، ولن يفزعه، إذا احتدم الأمر.
ولكن موسى يود أن يطمئن إلى أن اللَّه تعالى هو الذي يخاطبه ويمنحه ذلك الشرف، ولذا أمره بأن يلقى عصاه حجة تدل على أن اللَّه تعالى هو الذي يخاطبه، فقال:
(وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠)
كان موسى في حال من يكون في حيرة من أمره، يخاطبه اللَّه، فاللَّه جل جلاله أزال عنه هذه الخشية، بدليل قاطع يدل على أن اللَّه تعالى يخاطبه، وأنه رسول من عنده، بالعصا - ألقاها، فتحولت العصا إلى شيء يهتز ويضطرِب كأنه حية تسعى، والجان هنا حية تهتز وتتحرك، فلما رآها كذلك (وَلَّى مُدْبِرًا)، أي سائرا إلى الخلف، وظهره كأنه وجهه ولم يعقب، أي لم يرجع، كالجندي الذي يقاتل يرتد إلى الوراء ليحسن الهجوم، فيعقب على خصمه يضربه، ولكن رجوع موسى عليه السلام كان رجوع الخائف الفزع الوجل، ليس من شأنه أن يقدم بعد إحجامه، بل يحجم لغير غاية، ولذا قال تعالى عالما بخوفه: (لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أمره سبحانه بألا يخاف تأنيا له وتقريبا، وبيانا له بأنه كالئه وحاميه، ولا يخاف من اللَّه ناصره، وقال تعالى ما هو بمنزلة السبب للنهي (إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) إني لَا يمكن أن يخاف عندي المرسلون؛ لأني مانع كل شر عنهم، ولا يمكن أن ينالهم عندي إلا الأمان الذي لَا يكون بعده أمان، فكيف تخاف، وأنت في حضرة المولى جل جلاله، ثم فوق ذلك أنت مرسل من قبلي
للدعوة إلى الهداية، وكيف يخاف مرسل أرسله مع المرسلين.