ولكن موسى عليه السلام كان قد قتل مصريا مناصرة لإسرائيلي، وقال شاعرا بخطئه: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكونَ ظَهِيرًا لِّلْمجْرِمِين)، وإن هذه الفعلة هي التي ألجأته إلى مدين، بين اللَّه تعالى أنه غافرها، ما دام قد عمل حسنا بعدها، فقال:
(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١)
الاستثناء هنا استثناء منقطع، فما كان ثمة في الآية السابقة رمي بسوء حتى يكون الاستثناء، فيتعين أن يكون منقطعا بمعنى لكن من ظلم، بقتله نفسا بغير حق، ولكن كانت ظالمة عاتية، ثم تاب عما ارتكب، ولم يكتف بالتوبة المجردة، بل اتجه إلى الخير مستقيما مدركا، وبدل حسنا بعد سوء، أي وضع في تصرفاته مكان السوء حسنا فإن اللَّه يغفر له لأنه غفور من شأنه المغفرة الدائمة لمن تاب، رحيم دائم الرحمة بأناس ومن شأن الرحيم أن يتقدم عباده لعباده بفعل الخير رحمة بالناس لكي يسود الخير بينهم.
والفاء في قوله تعالى: (فَإِنِّي غَفورٌ) واقعة في جواب مَنْ؛ لأنها شرط أو في معنى الشرط، و (ثم) للتراخي، لأنه ثمة تراخ بين الظلم والغفران.
وذكر سبحانه معجزة أخرى لموسى
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (١٢)
هذه آية أخرى ليأنس موسى ربه، وأنه الذي خاطبه، وأنه رسول من رب العالمين إلى الناس، وهي أن يدخل يده في جيب قميصه بلونها الطبيعي الظاهر، المتوافق مع سائر جسمه، ويخرجها من الجيب فيراها بيضاء ناصعة البياض من غير سوء من بهق أو نحوه، وتلك آية أخرى هي واحدة من تسع آيات إلى فرعون وقومه، ثم ذكر ما يدل على العناية بهم في الاستدلال بتسع، إنهم كانوا قوما فاسقين، و (كانوا) تدل على استمرارهم في التوغل في الفسق، وهو الخروج عن كل معقول، ورفض كل مقبول، وأنهم قوم لَا يفقهون حديثا.


الصفحة التالية
Icon