(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ... (٣) الكتاب: هو القرآن الكريم، وإن أكثر السور التي تبتدئ بتلك الحروف تقترن فيها الحروف بالتنويه بذكر القرآن، وإعلاء شأنه، مما جعل المفسرين يعتبرون تلك الحروف أسماءً للسور، سماها القرآن بها، وفواصل محكمة بين سورة وأخرى من سور القرآن الكريم، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل. وقد عبر - سبحانه وتعالى - عن نزول القرآن الكريم بـ (نَزَّلَ) للإشارة إلى أن النزول كان تدريجيا، ولم يكن دفعة واحدة، إذ إن التنزيل يدل على التدرج في النزول، وكذلك كان القرآن الكريم؛ فقد نزل منجما ينزل في الوقائع، أو الأسئلة ليكون السبب الذي اقترن بنزوله معِينا على فهمه وإدراك بعض مغازيه.
وقد ذكر تنزيل القرآن مقترنا بأمرين متصلا بهما:
أولهما: أنه حق في ذاته، ومبين للحق مشتمل عليه، وداع إليه، فقال الله تعالى: (بِالْحَقِّ) أي مصاحبا له مقترنا به ملازما له، فهو حق لأنه نزل من عند رب العالمين، واشتمل على الحق، فكل ما فيه من قصص وأخبار وشرائع وأحكام وعقائد حق لَا شك فيه، وهو يدعو إلى الحق والعدل، فهو الحق الملازم للحق، الناصر للحق.
وثاني الأمرين: أنه مصدق لما بين يديه؛ أي الشرائع الإلهية التي سبقته؛ ولذا قال سبحانه: (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) فهو في لبه ومعناه مبين لكل الشرائع مصدق لصدقها؛ وهذا يدل على أن الشرائع الإلهية واحدة في لبها ومعناها وأصولها؛ ولذا قال سبحانه: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...).
فالإسلام هو لب الأديان وغايتها؛ ولذا قال سبحانه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ...).
(وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) هذا تصريح ببعض ما تضمنته الجملة السامية السابقة؛ إذ قد تضمنت الجملة السابقة أن القرآن يصدق الثابت النازل من عند الله


الصفحة التالية
Icon