للإشارة إلى أن الذين يكفرون بمحمد إنما يكفرون بشرائع الله المنزلة كلها؛ لأن شريعته كمالها، وبها تمامها وختامها، وللإشارة إلى أن اليهود والنصارى الذين لَا يتبعون محمدا، إنما يكفرون بحقيقة النصرانية نفسها، واليهودية ذاتها إذ يكفرون بمحمد - ﷺ -؛ فليست رسالة محمد إلا الخطوة الأخيرة في الشرائع الإلهية، وهي الكمال، وقد بشرت به الكتب السابقة كلها، فالكفر به كفر بها، والإسلام سيمر بالشرع الإلهي إلى أقصى غايته؛ ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا الإيمان بما جاء به محمد كما أشار بذلك النبي - ﷺ -. ومن أجل هذا كان الذين يكفرون بمحمد لهم عذاب شديد، وخصوصا إذا كانوا من اليهود والنصارى، لأنهم حينئذ يكفرون بكل آيات الله تعالى.
ثم وصف سبحانه ذاته الكريمة بما يفيد أنه غالب، وأنه لَا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فقال: (وَاللَّه عَزِيزٌ ذو انتِقَامٍ) أي أنه سبحانه بعزته غالب على كل شيء، مسيطر على كل شيء، ليس فوقه أحد، وهو القاهر فوق عباده. وهو ذو انتقام؛ أي أنه سبحانه له انتقام شديد لَا يدرك كنهه؛ ولذلك نكَّر الانتقام. والانتقام إنزال النقمة والشدة في مقابل ما يرتكبه الشخص؛ فإن كان من عادل حكيم كان عقوبة عادلة، وجزاء وفاقا؛ وكذلك يكون عقاب الله تعالى، فانتقام الله ليس تشفيا وشفاء غيظ كما هو الشأن من البشر، بل انتقام الله عقوبة عادلة، وقصاص رادع. وعبر بـ (ذو انتِقَام)، أي صاحب انتقام، للإشارة إلى أن هذا الانتقام في قدرته سبحانه وسلطانه ينزله أنى شاء، ومتي شاء بمقتضى حكمته وإرادته وقدرته، وعلمه الذي يحيط بكل شيء؛ ولذا قال بعد ذلك:
* * *


الصفحة التالية
Icon