(إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥)
* * *
هذه الجملة السامية تفيد تمام إحاطة الله تعالى في علمه، فهو سبحانه وتعالى يتجلى له كل شيء، ولو كان خافيا عن الناس أو من شأنه الخفاء؛ ولذلك جاء التعبير عن العلم الكامل، ببيان نفي الخفاء عليه سبحانه؛ وذلك لأن العالِم المحيط قد يخفى عليه شيء، لكن علم الله غير ذلك، فهو علم لَا خفاء معه في شيء مطلقا؛ وإذا كان الله سبحانه وتعالى عليما بكل شيء لَا يخفى عليه شيء فهو يعلم القلوب وما تخفيه، وما تكنه السرائر، وما تكنه الضمائر، فهو يعلم البواعث على الكفر، وأنها ليست نقصاً في الدليل، ولكنها مآرب الدنيا، والعصبية الجنسية والمذهبية، فليس الذين ينكرون ما جاء به محمد مخلصين في إنكارهم، بل هي لجاجة العناد، وجحود المستيقن. وذكر سبحانه السماء والأرض للإشارة إلى أن علمه قد وسع كل شيء؛ وسع السماوات والأرض، وليس الإنسان وما تحدثه به نفسه إلا شيئا صغيرا في هذا الملكوت العظيم، وذلك العالم بأرضه وسمائه. وأكد نفي الخفاء بتكرار " لا " في قوله تعالى: (وَلا فِي السَّمَاءِ) فَذكرُها ثانيا تأكيد لأنه لا يخفى عليه شيء.
* * *
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ... (٦)
* * *
هذا بيان لسبب علم الله بعامة، وعلمه بالإنسان بخاصة، فإنه علمُ المكوِّن المنشئ، الخالق المبدع، ومن ذا الذي لَا يعلم ما أنشأه وكونه وأبدعه على غير مثال سبق؟! ولذا قال تعالى: (وأَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). فهذه الآية الكريمة في مقام التعليل للآية السابقة؛ إذ الأولى بينت أن الله لَا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهي تتضمن الإشارة إلى أن ما تخفيه السرائر من بواعث على الإيمان أو الكفر، والوفاق أو العناد، يعلمه سبحانه لأنه لَا يخفى عليه شيء