إن الوجهين معا مرادان، وسنختار ذلك، ونبين وجهه عندما نتكلم في تأويل المتشابه إن شاء الله تعالى.
وإن وجود هذين القسمين في القرآن الكريم كان سببا في أن وَجَدَ الذين زاغوا وأضلهم الله على علم سبيلا لأن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم؛ وذلك بمحاولة تأويل المتشابه من غير أن يلاحظوا الموافقة بينه وبين الآيات المحكمات وهن أم الكتاب؛ ولذا قال سبحانه:
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ) في هذه الآية الكريمة يبين سبحانه وتعالى أن الذين يتلقون هدى القرآن قسمان، كما أن آيات القرآن قسمان، ولكلام الله تعالى المثل الأعلى؛ فالقسم الأول يتلقى الهدى القرآني مستضيئا بنوره آخذا بهديه؛ ما يعرفه يهتدي به، وما لَا يعرِفه يؤمن به، ويفوض فيه الأمر إلى ربه، ويقول: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ومَا أَنَا مِن الْمُتَكَلِّفِينَ). والقسم الثاني زاغ، فَأزاغه اللَّهُ عن الحق. وقد ذكر الله ذلك القسم، ويفهم القسم الأول من قوله تعالى في حق الراسخين في العلم أنهم يقولون:
________
٩ - وقال ابن تيمية: المحكم: ما يجب الإيمان به والعمل به، والمتشابه ما يجب الإيمان به من غير تكليف بعمل.
١٠ - ومنها أن المتشابه آيات الصفات، وغيرها محكم.
١١ - وقال ابن حزم الظاهري: كل القرآن محكم ما عدا الحروف التي ابتدئت بها بعض السور، وأقام القرآن مثل قوله تعالى: (والشمس وضُحَاهَا).
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا).
والزيغ أصل معناه في اللغة: الميل عن الاستقامة. والتزايغ التمايل، ورجل زائغ: أي مائل عن الطريق المستقيم في طلب الحق. والمعنى على هذا: أن الذين في قلوبهم زيغ، أي ميل عن طلب الحق وعدم أخذ بالمنهج المستقيم، لَا يتجهون إلى المحكم يطلبون منه حكم القرآن، بل يتبعون ما تشابه من القرآن؛ لأنه بُغيتُهم، ويجدون في الاشتباه ما يتفق مع اعوجاج نفوسهم، وعدم استقامة تفكيرهم، وما ينطوي عليه مقصدهم الباطل؛ فإن اعوجاج القلوب يجيء من تحكم الهوى في