الخليطين بحضرة النبي - ﷺ -، فلم ينكره عليه، ولو كان ذلك يسمى خمرا من جهة لغة أو شرع لما أقره - ﷺ -.
وقد روى أن النبي - ﷺ - قال في حجة الوداع، - وقد سئل عن الأشربة: " حرام الخمر بعينها والمسكر من كل شراب ".
ومهما يكن من الاختلاف في تفسير كلمة خمر، فقد اتفق الفقهاء على أن كل مادة من شأنها الإسكار تكون حراما وتأخذ حكم الخمر تماما، وإنما موضع الخلاف هو في أن كل المسكرات داخلة في النهي بنص الآية أم داخلة بالقياس وبالحديث؛ قال الجمهور الأول، وقال الحنفية الثاني.
وإن الأحاديث الصحيحة تثبت أن علة تحريم الخمر إسكارها أو تخديرها على حد تعبير العلماء اليوم، فقد ورد أن النبي - ﷺ - قال: " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " (١)، وإذا توافرت هذه العلة في شراب كان حراما قليله وكثيره؛ لأنه يكون حرام التناول في الكثير لذاته، وفي القليل لسد الذريعة، ولأنه إذا كان مسكرا فإنه لَا يكون عند الأكثرين طاهرا، ولأنه إذا كان مسكرا في ذاته فإن قليله مهما قل يكون مخدرا. وفى الحقيقة أن المسكر حرام، لَا لأنه مسكر فقط، بل لأنه يميت الضمير، أو يخفت صوت الوجدان الخلقي، ويضعف صوت النفس اللوامة، وإن ذلك يحدث في القليل والكثير، ويحدث لكل الناس، حتى أولئك الذين لَا تظهر عليهم أمارات السكر من اضطراب القول واختلاط مظاهر التفكير. وتعجبني كلمة في هذا قالها الفيلسوف تولستوي فقد قال في كتابه الآفات الاجتماعية: (إن النبي محمدا - ﷺ - حرم الخمر لأنها تميت الوجدان أو تضعفه). والخمر كذلك حقيقة، لأن الرجل يؤنبه ضميره على فعل، فلا يتناول الكأس حتى يزول تأنيب الضمير، والرجل يهم أن يقدم على الشر فيستيقظ وجدانه، ويقف حائلا بينه وبين فعله، فلا يلبث أن يتناول الكأس أو بعضه حتى تزول محاجزات الضمير، ويندفع في الشر اندفاعا لَا يقف في
________
(١) رواه مسلم: كتاب الأشربة (٣٧٣٤)، والترمذي (١٧٨٤)، والنسائي (٥٤٩١)، وأبو داود (٣١٩٤)، وأحمد (٤٤١٦).