ولكن الرفع إلى مكان على غير الرفع درجات؛ لأن الرفع درجات يدل على التفاوت بينه وبين غيره كما قال تعالى في حقوق الرجال والنساء: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ...)، أما الرفع إلى مكان علِيٍّ فلا يدل على هذا التفاوت.
وإن ذلك الارتفاع درجات عن النبيين كان لنبينا محمد - ﷺ -، فهو ذو الدرجات الرفيعة؛ لمعجزته الباقية إلى يوم القيامة، ولشريعته الخالدة، ولعموم رسالته، ولأن أمته الآخذة بشرعه المتبعة له حقا وصدقا خير أمة أخرجت للناس.
ولقد قال الزمخشري في ذلك المقام ما نصه: " الظاهر أنه أراد محمدا - ﷺ -؛ لأنه هو المفضل عليهم، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الآيات المتكاثرة.. ولو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء؛ لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر دون سائر المعجزات. وفي هذا الإبهام - (أي أنه لم يذكر اسم محمد) من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لَا يخفى؛ لما فيه من الشهادة على أنه العَلَم الذي لَا يشتبه، والمتميز الذي لَا يلتبس، ويقال للرجل من فعل هذا؟ فيقال أحدكم أو بعضكم، يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال، فيكون أفخم من التصريح به، وأنوه بصاحبه. وسئل الحطيئة عن أشعر الناس فذكر زهيرا والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث، أراد نفسه، ولو قال: ولو شئت لذكرت نفسي لم يفخم أمره ".
وإن القرآن الكريم قد جاء فيه ما يدل على رفعة محمد - ﷺ - درجات بشريعته، فقد كانت شريعته رحمة للعالمين كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا...)، ورفعه سبحانه بمعجزته الكبرى وهي القرآن، فقد قال فيه سبحانه: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِل إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم...) ولقد قال - ﷺ -: " بُعثت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة " (١).
________
(١) رواه أحمد في مسنده (١٣٧٤٥). ورواه البخاري (٤١٩) ومسلم (٨١٠).


الصفحة التالية
Icon