والأمر الذي وجه للنبي - ﷺ - في الشورى قال بعضهم إنه أمر إلزام، وقال آخرون إنه بالنسبة للنبي - ﷺ - ليس أمر إلزام، بل طلب استحباب، ولكن الأكثرين على أنه أمر إلزام، بدليل التزام النبي - ﷺ - للمشاورة في كل أمر يمس مصلحة المسلمين في السلم أو في الحرب، ولم يكن تبليغا لرسالة ربه؛ وإن أفعال النبي - ﷺ - تعليم لنا.
ومن المتفق عليه أن الشورى لازمة بالنسبة لغير النبي - ﷺ -، ولذلك قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهمْ...)، أي الأمر الجامع للمسلمين يكون بالشورى وتبادل الآراء، والتعاون والإخلاص في القول، ولذا يقول النبي - ﷺ -: " الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " (١). والنصيحة لعامة المؤمنين هي بالشورى التي تُبْدَى فيها الآراء لله وحده، لَا لشيء سواه، ولا لطلب الجاه عند الناس. ولقد قال البخاري: " وكان الأئمة بعد النبي - ﷺ - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها " (٢).
ومع اتفاق الفقهاء على أن الشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام لم نجد نصا قرآنيا وضع منهاجا لها، ولم نجد النبي - ﷺ - وضح أسسها وطرائقها، نعم إنه كان يستشير من معه من أهل المدينة، وكذلك كان يفعل الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فلماذا لم يبين ذلك في كتاب ولا سنة؛ والجواب عن ذلك أن مناهج الشورى تختلف باختلاف الجماعات وباختلاف الأحوال، وباختلاف الموضوعات ولا يوجد نظام ضابط لكل ذلك، بل ترك سن النظام للناس، ولابد أن يتحقق معنى الشورى في النظام على أن يكون أهل الشورى من ذوي العلم والخبرة، ففي أمور الحروب يستشار أهل الحرب، وفي أمور القانون يستشار الفقهاء
________
(١) رواه مسلم: الأيمان - الدين النصيحة (٥٥)، وذكره البخاري في الترجمة: الإيمان - الدين النصيحة، كما رواه النسائي: البيعة - النصيحة للإمام (٤١٢٦)، والترمذي: البر والصلة - ما جاء في النصيحة (١٨٤٩) عن تميم الداري رضي الله عنه.
(٢) من كلام البخاري في ترجمة باب: الاعتصام بالكتاب والسنة - (بَاب قَوْل اللَّه تَعَالَى: وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنهمْ، وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْر).


الصفحة التالية
Icon