ثم بين سبحانه حال أولئك الذين ماتت ضمائرهم مع ما أُوتُوه من علم الكتاب، وهم اليهود، فقد اتخذوا منه ذريعة للسلطان والسيطرة، وبذلك عملوا على إضلال غيرهم، وإفساد عقائد مَن كانوا يجاورونهم، وبين في هذا محاولتهم إيذاء النبي والتهكم عليه في دعوته، وفي أثناء بيان رسالته، وربط سبحانه وتعالى حاضرهم بماضيهم، وأشركهم سبحانه مع المشركين في قرن، وقد بين سبحانه أن الباعث على هذا الضلال والتضليل هو إرادتهم الملك والحسد، ولذا قال سبحانه: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤).
وبين سبحانه من بعد ذلك عاقبة الذين يكفرون بآياته سواء أكانوا ممن أُوتوا الكتاب من قبل أم كانوا من المشركين. وقابل هذه العاقبة بما أفاضَهُ الله - تعالى - من نعيم أُخرَوي على المؤمنين.
وقد بين سبحانه وتعالى من بعد ذلك أساس الحكم الإسلامي، فذكر أنه العدل والأمانة، وأن أمثل طريق لتحري العدل والأمانة هو إطاعة الله ورسوله، وأن الحاكم عليه أن يردَّ كل تنازع إلى حكم الكتاب والسنة، وأن التحاكم إلى غير كتاب الله تعالى وسنة رسوله تحاكم إلى الطاغوت، وأن المنافق هو الذي يرتضي حكم الطاغوت بدل حكم الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)، وقد بين أن أمارة الإيمان هو تحكيم الكتاب والسنة (فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
وإن الحق يجب أن ينصر، وإن المؤمن لَا يصح أن يستسلم للاعتداء، وإذا كان العدل وأداء الأمانة وإطاعة الله ورسوله أساس الحكم الإسلامي، فإن العدل مع المخالفين هو أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وإن القتال إذا كان العدل يستوجبه يكون أمرا لازما، فإذا اعتُدِي على الإسلام وأهله وجب القتال، ووجب أخذ الأهبة، وكان الحذر من الأعداء بقتالهم: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ