الناس، فكلمة الناس تشمل كل بني الإنسان، وما في مضمون النداء من إنذار وتبشير وبيان للحقائق الوجودية والكونية، والأدلة والبراهين أمور عامة لَا تختص بقبيل دون قبيل، ولا بقوم دون قوم. وفي النص الكريم الذي نتكلم فيه يتضمن النداء حقيقة عامة نفسية تجمع بني الإنسان مهما تختلف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، فهو يثبت أن الأصل هو " نفس واحدة " كلهم يرجعون إليها، ويتصلون بها، وهذا النص يشبه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفوا إِنَّ أَكْرَمَكمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...).
بيد أن النص الذي نتحدث عنه يثبت أن الذكر والأنثى من طبيعة واحدة، ويثبت في مضمونه الصلة الرحيمة التي تربط الناس جميعا، وما ينبني عليها من تعاطف وتواد وتراحم، والنص الآخر يبين وجوب التعارف الذي هو الطريق للتراحم والتواد، فهنا بيان الغاية، وهنالك بيان طريقها.
نادى الله سبحانه وتعالى الإنسانية، ذلك النداء الخالد ونبههم سبحانه وتعالى إلى الوحدة في أمرين:
أولهما: وحدة الربوبية، فإن ربكم واحد، إذ قال سبحانه وتعالى: (اتقوا ربكم) الذي هو رب الجميع، رب الأبيض والأسود والعربي والأعجمي، والعالم والجاهل، فصلة الجميع به واحدة، وهي صلة الربوبية، وإن هذه الصلة توجب أن يشعر الجميع بأنه لَا فضل لجنس على جنس، ولا للون على لون إلا بمقدار الاتصال الروحي بخالق الخلق، وذلك بالتقوى، فهذه الصلة مقوية للأمر بالتقوى، وأنها مناط التفضيل، وهي سبيل قوة الصلة الرابطة.
والثاني: وحدة التكوين والإنسان، فالكل ينتهي إلى نفس واحدة هي الجنس العام الجامع، مهما يَعْلُ ابن آدم أو ينخفض فإلى هذه النفس ينتمي، وبهذه الأخوة العامة يرتبط.
والأمر بالتقوى في هذا المقام لبيان الصلة التي تربط الإنسان بالرب الذي أنعم بهذا الوجود على كل من في هذا الوجود، وكان ذلك الأمر ممهدا لأمر آخر،


الصفحة التالية
Icon