مستفيضة قد تضافرت كلها على وجوب إكرامه ومنع قهره وإذلاله، ذلك أن اليتيم يحتاج إلى إصلاح وعطف ومحبة تعوضه عما فقد من رعاية، وإن العواطف الإنسانية تنمو في الطفل وهو صغير بالمجاوبة النفسية بينه وبين من يحيطون به.
فإذا انقطعت تلك العاطفة في الصغر نفر ونظر إلى الجماعة كلها نظرة العدو إلى عدوّه، فيكون من هؤلاء الذين فقدوا عطف الأبوة ولم يكن ما يعوضها - الشذاذ وقطاع الطرق، وبعبارة عامة من ليس عندهم ضمائر، ولا نفوس لوَّامة.
وقوله تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) فيه أمر واضح بالرعاية من ناحية المال، فلا يمنعون حقهم المالي، والأمر بالإيتاء أمر لعموم الجماعة الإسلامية بأن تتضافر في تمكين اليتيم من أن يصل إليه ماله، فلا يأكله الورثة وَيُضيعون حقه، وعلى ذلك يكون معنى الإيتاء تخصيص نصيب لليتامى كاملا غير منقوص، فتحفظ لهم حصتهم في أبيهم أو في مورثهم، ويحفظ لهم نصيبهم في كل غلة لأموالهم، ويكون وصف اليتامى على حقيقته؛ لأن ذلك وهم صغار، وفسر بعض العلماء الإيتاء بالإعطاء لهم إذا بلغوا رشدهم، ويكون التعبير عنهم باليتامى باعتبار ما كان.
وقوله تعالى: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) معناه: لَا تجعلوا لهم خبيث المال بدل الطيب، ويكون الطيب معناه الجيد، والخبيث معناه الرديء، فعلى هذا يكون المعنى الجملي: لَا تجعلوا رديء المال لهم بدل الجيد، فإذا كانت التركة شاءً فلا تجعلوا لهم الهزيلة، ولكم السمينة، وإذا كانت نقدا فلا تجعلوا لهم الزيوف، وتجعلوا لأنفسكم الجيد، ومعنى التَّبدل، جعل شيء بدل شيء أي يجعلون الرديء بدل الجيد، والباء في مادة التبدل يجوز أن تدخل على المتروك، ويجوز أن تدخل على المأخوذ، وهي هنا على المتروك، لأنه يترك عنهم الجيد، ويؤخذ لهم الرديء وفسر بعضهم الخبيث بالحرام، والطيب بالحلال، ويكون المعنى: لَا تجعلوا الحرام عليكم بدلا عن الحلال، أي لَا تأخذوا الحرام من مالهم وتتركوا الحلال الطيب من أموالكم، وبهذا فسر الزمخشري.


الصفحة التالية
Icon