تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَروهَا كَالْمُعَلَّقَةِ...)، فقالوا إن العدل المطلوب هو العدل الظاهر والمساواة في المعاملة والعدل المنفي المساواة في المحبة القلبية.
وإنه واضح أنه إذا لم يستطع العدل الظاهري وجب الاقتصار على واحدة، وإن لم يستطع العدل معها اكتفى بالدخول بملك اليمين، أي بالدخول بالجارية التي يملكها، وقد زال الرق، فزالت معه تلك الرخصة، فمن لم يستطع العدالة مع زوجه عليه أن يروض نفسه بالصوم، أو يروض نفسه على العدالة.
وقد قيد التعدد بقيد ثان، وهو القدرة على الإنفاق على النسوة اللائي يتزوجهن، وعلى من سيرزقهم الله منهن، وقد أشار القرآن إلى وجوب مراعاة ذلك، فقد قال تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولوا) أي إن هذا التقييد بهذا العدد المحدود، مع قيد العدالة، ومنها القدرة على الإنفاق، أقرب إلى ألا تعولوا، وعال يعول معناها مال، ومنه عال الميزان أي مال، وفسرها بعض العلماء بمعنى ذلك أدنى ألا تجوروا، وروى ذلك التفسير عن عائشة - رضي الله عنها، ولكن فسرها الإمام الشافعي بألا يكثر عيالكم، وهذا التفسير يؤدي إلى معنى جديد، لم يفهم مما سبق، وقد رجح ذلك الزمخشري بقوله: " والذي يحكى عن الشافعي أنه فسر ألَّا تعولوا: ألَّا تكثر عيالكم فوجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم، كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم، لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب، وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورءوس المجتهدين حقيق بالحمل على الصحة والسداد، وألا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعُولوا، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " لا تظن بكلمة خرجت من فيِّ أخيك سوءا وأنت تجد له محملا "، وكفى بكتابنا " شافي العي، من كلام الشافعي " شاهدا بأنه أعلى كعبا، وأطول باعًا في علم كلام العرب من أن يخفى عليه مثل هذا، ولكن للعلماء طرقا وأساليب، فسلك الشافعي في هذه الكلمة طريق الكنايات ".


الصفحة التالية
Icon