الأمر الثاني: أنه ذكر عند ميراث أولاد الأم التحريض على الأداء، فقال تعالى: (غَيْرَ مُضارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ) فكان التحريض مرتين، مرة بمنع المضارة، ومرة أخرى بتأكيد أن هذه وصية الله، فمن خالفها فقد تمرد على وصية الله العليم الحليم الذي يعلم كل شيء وإن لم ينزل العقاب فور الجريمة. وكان ذلك في أولاد الأم؛ لأن حقوقهم مظنة الضياع والإهمال، ولا يزال الناس إلى الان يكادون يهملون نصيب أولاد الأم، وإذا ذكروا به، كان ذلك بمنزلة التذكير بأمر غريب، فكان التأكيد لهذا.
وقد كانت أحكام المواريث مظنة التلاعب في الماضي، ولا تزال حقوق النساء فيها موضع التلاعب إلى اليوم، ولذلك أكد الله سبحانه حق الميراث بقوله:
* * *
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣)
* * *
أي أن الميراث حدّ رسمه الله تعالى، فمن أطاع الله تعالى فقد فاز فوزا عظيما. وإن ذكر الجنات في هذا المقام له موضعه؛ لأن هذا الذي يترك التوزيع لله تعالى، ويتغلب على هوى نفسه فيمن يحب أو يكره يجزيه الله تعالى جنات تجري من تحتها الأنهار، وهذا الجزاء هو الفوز العظيم؛ لأن فيه النجاة وفيه النعيم، فمن فعله فقد نال الحسنيين، فإذا كان قد تغلب على منازع الدنيا، فقد نال نعيم الآخرة، ومن ينظر إلى مآل ماله عليه أن ينظر قبل كل شيء إلى مآل شخصه.
* * *
(وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)
* * *
هذا جزاء من يخالف حكم الله وخصوصا في الميراث، فهو عاص لله سبحانه، وقد تعدى ما رسمه الله من حدود في ماله. وإن جزاءه أن يدخل النار ويخلد فيها، وله عذاب مهين أبلغ إهانة في الآخرة، فهو قد باع آخرته بدنيا غيره، وإذا كان أراد السعادة الدنيوية لغيره بهذا المال فقد نال الشقاء الأخروي بعمله، وإذا كان قد أراد إعزاز بعض من يحب فقد أهان نفسه، والله هو الذي يبين الحق، ويهدي إلى الرشد، كما قال تعالى: (يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم).
* * *