النوع تربية يكون بها الإلف والائتلاف مع المجتمع الذي ينشأ فيه. وقد ابتدأ بإبعاد ما من شأنه إفساد بناء الأسرة، وهو الفاحشة، فإن مثل من يبني الأسرة كمثل من يبني قصرا مشيدا، ينَقى أولا مواد البناء من العناصر التي لَا تجعله قويا متماسكا، أو تكون مواد تنقض بناءه، ولذا قال سبحانه وتعالى:
(وَاللَّاتِى يَأتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ) فحش معناها زاد، وأطلق على الزيادة التي لَا تسر، وأطلق على القبيح من الأفعال، لأنه انحراف عن الفطرة. وقد جاء في مفردات الراغب: " الفُحش والفحشاء والفاحشة ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال "، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ). (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْى).
(مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مبَيّنَةٍ)، (إِنَّ الَّذِين يُحِبُّونَ أَنِ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا)، (إِنَّمَا حَرَّم رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ)، (إِلَّا أَن يَأْتينَ بِفَاحِشَةٍ مبَيِّنَةٍ)، كناية عن الزنا، وكذلك قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يًأتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ).
فالفاحشة هنا هي الزنا، والله سبحانه وتعالى يعبر عن هذه المعاني التي لا تألفها النفس الكريمة بعبارات تسترها، فتكون الكناية بدل التصريح، وذلك من تأديب الله لنا في التعبير.
وقد ذكر سبحانه وتعالى علاج النساء اللائي وقعن في ذلك الأمر المنكر، وقد سماه بهذا الاسم كما سماه بأنه " إدّ " (١)، فكان علاجهن بأمرين أحدهما - يختص بهن، والثاني - يشتركن مع الرجال فيه، فأما الذي يختص بهن فهو إمساكهن في البيوت، وليس الإمساك معناه الحبس والتضييق المجرد، بل الإمساك
________
(١) أي سمى الله تعالى الأمر المنكر بالفاحشة، كم سماه (أي الأمر المنكر بالإد) قال الرازي في تفسيره سورة النساء (١٥): " قوله: (يَأتِينَ الْفَاحِشةَ " أي يفعلنها يقال: أتيت أمرا قبيحا، أي فعلته قال تعالى: (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئا فَرِيًّا) (مريم: ٢٧) وقال: (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (مريم: ٨٩) ". وفى لسان العرب (أدد) الإد هو العجَبُ والأمر الفظيع العظيم والداهية.