إلى أن ذلك من رحمته التي وسعت كل شيء، ولقد سبقت رحمته عذابه، وإن الله تعالى ليفرح بتوبة العبد أكثر من فرح العبد بإقلاعه عن ذنبه.
* * *
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ... (١٧)
* * *
التوبة هي الرجوع إلى الله تعالى وإلى أوامر دينه بعد الانحراف عنها، ويعرف الأصفهاني التوبة في الشرع بأنها ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما يمكنه تداركه من الأعمال بالإعادة، والتوبة على هذا النحو أعلى درجات الاعتذار، وذلك أن الاعتذار على أنواع ثلاثة، أحدها: وهو أدناها إنكار الوقوع، وهذا لَا يتأتي بالنسبة للعلام الخبير الذي لا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض، وثانيها: تبرير الفعل، وذلك أيضا لَا يمكن أن يكون أمام الله تعالى، وثالثها: وهو أعلاها الاعتراف بالوقوع وبأنه لَا مبرر له، وأنه يرجو الصفح والغفران، وأنه مقلع عما ارتكب، وذلك هو التوبة.
والتوبة إذا كانت قريبة من وقوع الذنب فقد وعدنا الله تعالى، ووعده الصدق الحق، بأن الله تعالى يقبلها. وتفضل الله سبحانه وتعالى تأكيدا للوعد، وحثا على التوبة، فعبر سبحانه بأن الغفران حق عليه، ولذا عبر سبحانه بلفظ " على " فقال: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ) أي أن قبول التوبة حق على الله تعالى، وذلك أبلغ درجات الصفح والغفران، سبحانك إنك التواب الرحيم، غفار للذنوب.
وعبر سبحانه وتعالى بـ " إنما " الدالة على الحصر، أي لَا يكون قبول التوبة حقا على الله تعالى إلا بتحقق شروط ثلاثة: أولها: أن يكون ذنبه ليس كثيرا ولم يُحِط بنفسه وقلبه، ولذلك قال تعالى: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ) أي يقع منهم ما يسيء من غير أن تُرْكَس نفسه في السيئات وتحيط بها. وثانيها: أن يكون الفعل (بِجَهَالَة) أي أنه وقع في حال غَفْوَةِ الضمير والضعف النفسي، ومن غير إدراك للعواقب، ولا قصد للنتائج، وقد قال السلف: إن كل ذنب على هذا النحو يكون