الموت، وكان في فسحة من الوقت، وقد رووا في ذلك آثارا عن النبي - ﷺ -، منها ما روي عن عبد الله بن عمرو أن النبي - ﷺ - قال: " ما من عبد يتوب قبل الموت بشهر إلا قبل الله منه " (١). فمقياس القرب هو ألا تكون التوبة وقت حضور الموت، ووقته علمه بأنها دنت، أما إذا كانت التوبة وهو صحيح يرجو الحياة، فإنها مقبولة، وأجل الإنسان كله قرِيب. وقد بين سبحانه بعد ذلك الذين لَا تقبل توبتهم من غير المسلمين فقال: (ولا الَّذِينَ يَمُوتونَ وَهُمْ كُفَّارٌ).
أي أن الله تعالى لَا يعتبر توبة الكفار عن ذنوبهم توبة لأنهم لم يؤمنوا، فأساس الطاعات الإيمان. وإن تابوا قبل أن يموتوا وهم في فسحة من الوقت، فإن توبتهم غير مقبولة، وإنما تكون مقبولة إذا آمنوا ولم تكن من قبيل قول فرعون عند الغرق: (... آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
(أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) أي أولئك الذين لم يتوبوا، هيأنا لهم عذابا مؤلما وجيعا، وهذا يشمل عصاة المؤمنين، والذين ماتوا وهم كفار، غير أن الكفار خالدون في النار، وأما عصاة المؤمنين فبمقدار ذنوبهم.. اللهم نجنا من عذاب النار واقبل توبتنا، (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ...).
* * *
________
(١) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يَقُولُ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ عَامًا تِيبَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ تِيبَ عَلَيْهِ»، حَتَّى قَالَ: «يَوْمًا»، حَتَّى قَالَ: «سَاعَةً»، حَتَّى قَالَ: «فُوَاقًا»، قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مُشْرِكًا أَسْلَمَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكُمْ كَمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. [رواه أحمد: مسند المكثرين (٦٨٨١)].