لأوامر الله تعالى، وفساد للنفوس، بعد هذا أخذ يبين سبحانه إباحة الطيبات، وأنه لَا يصح تحريمها على النفس، وأن من يحرمها على نفسه بيمين فليحنث وَلْيُكَفِّرْ، وتكفير اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئا من هذا فليصم ثلاثة أيام.
وإذا كان الله تعالى أباح الطيبات، فقد حرم الخبائث، وأول الخبائث الخمر والميسر، وإن الخمر أم الخبائث، وأم الجرائم، وإنه ليس على المؤمنين إثم فيما يتناولون من طيبات إنما الإثم فيما يتناولون من خبائث.
وقد بين سبحانه أن من الطيبات ما يحرم في بعض الأوقات، لَا لذاته، بل للمكان الذي يكون فيه، والحال التي يكون فيها، فحرم الصيد في البيت الحرام للمحرمين، وأن المنع مقصور على صيد البر، ولا يشمل صيد البحر؛ وإن ذلك لمكانة البيت، ولمكانة الإحرام، وقد ذكر سبحانه وتعالى مقام البيت ومكانته.
وأن الخبيث من الأشياء ومن الأشخاص لَا يستوي مع الطيب، وندد سبحانه بالذين يحرِّمون بعض الطيبات على أنفسهم لأوهام توهموها، وأفكار جاهلية اعتنقوها.
وأن الذي يقوم بالواجب ويبين الخير ويدعو إليه لَا يكون مسئولا عمن يضل من بعد.
وفى وسط أحكام الحلال والحرام أخذت السورة تبين سببا من أسباب الملكية، وهو الوصية في السفر، وطريق إثباتها.
بعد ذلك أخذ يبين الضلال الذي وقع فيه الذين ادَّعوا المسيحية وهو ألوهية المسيح، مع ذكر معجزاته عليه السلام، ومنها أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وأنه أخرج الموتى بإذن الله تعالى، وأنه نزلت عليه المائدة من السماء.
ومع هذه المعجزات الباهرة كفر به من كفر، وشهد الحواريون بأنه رسول من عند الله، وغالى غيرهم فزعموا أنه وأمه إلهان، ومنهم من زاد غيرهما.