الله تعالى ورسوله، وعهد الله تعالى أولى بالوفاء؛ ولأن عقود الناس تستمد قوة الوفاء من أمر الله، فلا يصح أن تكون على خلافه.
فالعقد: معناه في اللغة العربية ضم طرف إلى طرف، وربطهما ربطا محكما. يقال: عقد الرجل طرفي الحبل أو الحبلين إذا ربط أحدهما بالآخر، وضده الحل أي فك هذا الربط، وسمي الإيجاب والقبول عقدا لأنهما يضمان إرادتي المتعاقدين، ويربطان أحدهما بالآخر.
والعقد معناه في استعمال القرآن الارتباط، والعقود والعهود والمواثيق والمعاهدات والمحالفات والتعهدات والاتفاقات والالتزامات كلها في استعمال القرآن والاصطلاح الشرعي ألفاظ متقاربة المعنى المراد بها الارتباطات، سواء أكانت ارتباطات بين أفراد أو حكومات أو جماعات، وسواء أكانت ارتباطات على عمل أو على كف عن عمل. والفروق التي يقررها علماء القانون الدولي لهذه الألفاظ لا تحرف في الاصطلاح الشرعي.
والإيفاء بالعقد معناه تنفيذ ما يقتضيه والقيام بما يوجبه وافيا تاما غير منقوص، والإيفاء بالعقد والوفاء به والتوفية به ألفاظ مترادفة معناها واحد.
والمعنى بالإجمال: يا أيها المؤمنون نفذوا ارتباطاتكم، وقوموا بما تعاقدتم على القيام به وافيا تاما. وقد ذكر سبحانه العقود التي أمر بالإيفاء بها بصيغة العموم ولم يخصصها بنوع لتشمل كل ارتباط يرتبط به المؤمن، سواء أكان ارتباطه مع ربه أم ارتباطه مع نفسه أم ارتباطه مع فرد آخر، وسواء أكان ارتباط جماعتهم أو حكومتهم على عمل، أو كف عن عمل؛ ولهذا قال المحققون من المفسرين: العقود التي أمر الله المؤمنين أن يوفوا بها تشمل أربعة أنواع:
الأول: العقود التي عقدها المؤمن مع ربه بسبب إيمانه. فكل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد التزم لله بأن يطيعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وإحلال ما أحله وتحريم ما حرمه. فهذا عقد بين المؤمن وربه.
وسبب الالتزام فيه إيمانه. وإلى هذا أشار الله سبحانه بقوله: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ


الصفحة التالية
Icon