واستثنى سبحانه ممن أحلت لهم بهيمة الأنعام المحرمين بالحج أو العمرة أو بالحج والعمرة، والموجودين بأرض الحرم سواء أكانوا محرمين أم غير محرمين بقوله تعالى: (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ).
والإحرام بأحد النسكين أو بهما معا معناه في الشرع نية النسكين أو أحدهما نية مقرونة بشعار من شعائر الحج كالتلبية أو سوق الهدى. فمن أحرم أي نوى أحد النسكين واتخذ شعاره لَا يحل له ما دام محرما أن يصطاد الأنعام ولا غيرها من حيوان البر، سواء أكان الصيد من أرض الحل أم من أرض الحرم. ولا يحل له الأكل والانتفاع بما اصطاده وهو محرم. وأما صيد البحر والأكل منه فهو حلال للمحرم، قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَللسَّيَّارَة وَحُرِّمَ عَلَيْبهُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا...).
فالمحرم لَا يحل له صيد البر؛ سواء أكان في أرض الحل أم في أرض الحرم.
وأرض الحرم لَا يحل الصيد فيها للمحرم وغير المحرم.
فمعنى (وَأَنتُمْ حُرُمٌ) أي محرمون، أو في أرض الحرم، أي وأنتم في حرمة الإحرام أو حرمة الأرض الحرام. ولله الحكمة البالغة في هذين الاستثناءين، فإنه استثنى مما أحل ما يتلو على المؤمنين من المحرمات دفعا للضرر عن دينهم وأجسامهم. وسيتبين في تفصيل المحرمات أن تحريم كل محرم منها إنما هو لدفع أذى ديني أو بدني. واستثنى ممن أحل لهم فريقين: المحرمين بأحد النسكين، لأنه أراد أن يكون إحرام المحرم شعار السلام والأمان، وتجنب العدوان حتى على الحيوان؛ ومتى عرف المحرم أنه لَا يحل له الصيد تجرد من أسلحته وآلاته وانصرف عن التفكير في إزعاج آمن أو مطاردة ضعيف، والموجود بأرض الحرم مطلقا، لأنه أراد أن تكون أرض الحرم أمنا حتى للصيد (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا...).
وقد استثنى سبحانه وتعالى من التحليل ما يتلى من بعد ذلك، وهو ما اشتمل عليه قوله تعالى من بعد: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا