أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ...). (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) المعنى: إن الله يحكم الحكم الذي يريده، لا الحكم الذي تهواه النفوس، أو الحكم الذي توارثه الخلف عن السلف. فهو سبحانه إذا حكم بإيجاب الإيفاء بالعقود، وحكم بإحلال بهيمة الأنعام، وحكم باستثناء بعض الأنعام مما أحله، وحكم باستثناء الفريقين ممن أحل لهم، إنما يصدر في حكمه عن إرادته. وسنته في إرادته بينها سبحانه بقوله: (... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...).
وبقوله: (... مَا يُرِيذ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجِ...) فأحكامه التي ذكرها مصدرها إرادته، وهو ما يريد العسر ولا الحرج بحكمه، لَا في تحريمه المحرمات، ولا إحلاله المباحات، وإيجابه الواجبات، وكل ما أمر به أو نهى عنه أو شرعه.
ونرى أن " يحكم " تعدت من غير الباء فلم يقل تعالت كلماته: " إن الله يحكم بما يريده " بل قال: (إِنَّ اللَّهَ يَحْكمُ مَا يُرِيدُ) وذلك لتضمن الحكم معنى حد الحدود، والمنع عن الموبقات، فكان التعدي بغير الباء.
وقد جاء في تفسير القرطبي: أن " هذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها لكل ذي بصيرة بالكلام، فإنها تضمنت خمسة أحكام: الأول: الأمر بالوفاء بالعقود، والثاني: تحليل بهيمة الأنعام، الثالث: استثناء ما يتلى بعد ذلك، الرابع: استثناء حال الإحرام فيما يصاد، الخامس: ما تقتضيه الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.
وحكى النقاش: أن أصحاب الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال: أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياما كثيرة، ثم خرج فقال: والله ما أقدر، ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، فنظرت، فإذا هو قد كلف بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلا عاما، ثم استثنى استثناء بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته - في سطرين،


الصفحة التالية
Icon