قيل هو ما قرره الزمخشري وهو: أن النهي عن إحلال القلائد هو النهي عن إحلال الهدي الذي حمل القلادة، وكان ذكرها بعد ذكر الهدي عامة من قبيل ذكر الخاص بعد العام، وكان المعنى لَا تحلوا الهدي، ولا تحلوا القلائد بشكل خاص، وذلك لأن إحلال الهدي الذي أشعر وأعلم بالقلادة يكون أشد نهيا، إذ إنه اعتداء على ما أعلن بالحس أنه خصص للبيت الحرام، ولم يكتف بالنية وحدها، فما خصص بالنية قد يخفى، وما خصص بالحس لَا يخفى، وذكر الزمخشري وجها آخر، وهو أن النهي عن إحلال ذات القلائد، وإذا كانت القلائد لَا يحل الاعتداء عليها فأولى بذلك الحيوان الذي يحمل شعارها، ومهما يكن من التخريجين فالنهي ثابت عن إحلال الهدي وشعاره.
وإن سوق الهدي وذبحه من مناسعك الحج وفيه توسعة على سكان البيت الحرامِ، وإجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧).
ولكن هل يغني عن الهدي وذبحه في منى ما يُقَوَّم به من نقود؛ لقد أجمع الفقهاء على أنه لَا تغني قيمته عنه، ما دام يستطيع الرجل أن يهدي. وقد جعل الله تعالى الصيام بدل الهدى لمن لَا يجد، فقال تعالى:
(... فَإِذَا أَمِنتمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعمْرَةِ إِلَى الْحَجٍّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الْهَدْى فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتمْ تِلْكَ عَشرَةٌ كَامِلَةٌ...).
ولقد ثارت مناقشات حول استبدال الذبح بقيمة الهدي، لأن الناس لا يأكلون كل ما يذبح فيتلف، ووراء ذلك فشو الأوبئة ونحوها، وهذا فوق ما تنشره الدماء من أدواء.
ونقول في الجواب عن ذلك: إن هذا من ضيق عقل الإنسان، لَا من شريعة الديان، والقرآن أمر بالذبح، ولم يقل أحد من الصحابة أو من جاء بعدهم: إن قيمة الهدي تغني عنه، وكان يجب أن يفكر المفكرون في الانتفاع باللحم والدم من