(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) اليوم المعرف بأل التي هي للحضور، هو يوم عرفة؛ ذلك أن الآية كلها نزلت في يوم عرفة، وفيها بيان المحرمات، وقد ذكر سبحانه وتعالى عقب بيان هذه المحرمات بيانا قاطعا بين حياة جاهلية فيها أخباث، وحياة إسلامية نظيفة نزيهة ببيان قوة الإسلام، وعلوه في الأرض، وإذلال الشرك، وذهاب سطوته في أرض العرب، ومعنى قوله تعالى: (يَئِسَ الَّذِينَ كَفَروا مِن دِينِكُمْ) أنهم يئسوا من القضاء عليه، وتغيير حقائقه، وسيطرة الشرك على المؤمنين، وقد قال النبي - ﷺ - في حجة الوداع يوم عرفة، وهو يعرض الحقائق الإسلامية، ويشهد الله تعالى على تبليغها: " إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه " (١) ويأس الشيطان هو يأس أوليائه من المشركين من أن يتغلبوا على ذلك الدِّين المكين الثابت، وإذا كان المشركون قد يئسوا من السيطرة، ووهنت قواهم، فإنه لَا تجوز مسايرتهم في أي أمر من الأمور؛ ولذا قال سبحانه (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) والخشية: خوف يشوبه تعظيم لما يخشى منه، والمعنى لَا تجعلوا للكافرين مكانا للهيبة أو الخوف أو التعظيم، فقد ضعفوا واستكانوا، وإنما الخشية كلها لله الذي نصركم وأنتم أذلة، وأعزكم وقد كنتم مستضعفين في الأرض، وخشية الله توجب طاعته، والأخذ بكتابه وسنة نبيه، وأن تباعدوا بينكم وبين ما كان في الجاهلية، وما عليه عادات الجاهليين، وأن تأخذوا بمبادئ الإسلام وحده، وأنه قد كمل الدين بيانا وعزة وسلطانا؛ ولذا قال تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) هذه الآية آخر آيات القرآن الكريم نزولا، وقد نزلت في عرفة في حجة
________
(١) روى الترمذي: الفتن - دماؤكم وأموالكم (٢١٥٩) عَنْ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ لِلنَّاسِ: " أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ " قَالَ أبُو عِيسَى: وَفِي الْبَاب عَنْ أبِي بكرَةَ وَابْنِ عَبَّاس وَجَابِر وَحِذْيَم بْنِ عَمْرو السعْدِيَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ورواه ابن ماجه: المناسك - الخطبة يوم النحر (٣٠٥٥) عن عمرو بن الأحوص بنحوه.