(وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وبعض المفسرين قال: إن في الكلام محذوفا دل عليه السياق، وهو كلمة " صيد "، والمعنى أحل لكم الطيبات، وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح.
وبعض العلماء لَا يقدر محذوفا، بل يجعل الخبر هو الجملة الطلبية: (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) ويكون قوله تعالى: (مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) حالا بعد حال، وصاحب الحال، ضمير الخطاب في قوله: (وَمَا عَلَّمْتُم) حال كونكم (مُكَلِّبِينَ) معلمين، وتقدير الكلام يكون هكذا.. وأحل لكم ما أمسكن لكم من صيد الجوارح؛ وذلك لأن الخبر محل الفائدة، ودخلت الفاء الخبر؛ لأن الجملة طلبية، ولأن ما موصولة، والفاء تدخل في خبر الموصول، مثل قوله تعالى: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا)، لتضمن الموصول أحيانا معنى الشرط.
والتكليب تعليم الكلاب - ومما يشبهها - الصيد، فهو اسم فاعل اشتق من الكلب، أو أخذ من الكلب باعتبار أن الكلب طيع ألوف أقرب الحيوان إلى تعلم الصيد، وقد قال تعالى ما يفيد تعليم كل حيوان له مثل خواص الكلب في الطاعة والمهارة، والاستعداد للتعلم، فقال تعالى: (مِّنَ الْجَوَارِحِ) وهذا يعم كل حيوان يمكن أن يعلم الصيد، والجارح معناه الكاسب، أي الحيوانات التي من شأنها أن تكسب صيدا كما يكسب الإنسان، أو معناه: الذي يخدش الجسم بالجروح، فإن ذلك لَا يستغني عنه الصيد، إذ إنه لَا يمكنه أن يسيطر على الحيوان غالبا إلا إذا جرحه بانيابه، وهذا هو الذي نختاره.
وقوله تعالى: (تُعَلِّمونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ) حال على اعتبار أن من مبتدأ، خبره (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)، وهي حال بعد حال كما أشرنا، وذلك الذي اخترناه، وعلى تقدير محذوف، والمعنى: صيد ما علمتم من الجوارح، تكون جملة تعلمونهن مما علمكم مستأنفة.