عمدا، وقال المالكية: إنها إن تركت عمدا لَا تؤكل؛ لأنه لَا يبين أن الصيد للمرسل إلا إذا قصد ذلك، وتركها عمدا، ينافي القصد، وإن تركت سهوا فإنها تؤكل، لأن الحيوان المخصص للصيد يكون إرساله المقصود منه الأكل ولا يقصد سواه، إلا أن يقصد اللعب أو اللهو، وعندئذ يكون الترك عمدا لَا نسيانا.
وقد ذيَّل الله سبحانه وتعالى الآية بالأمر بالتقوى والتذكير بالحساب، وذلك لتذكير الناس عند الطعام بأن يكونوا في ظل تقوى الله تعالى بألا يسرفوا في الطعام فيفسدوا أجسامهم، وألا يتعدوا القدر المطلوب، أو لَا يأكلوا حق الغير، وما يكون محرما، لتعلق حق الناس؛ ولذلك يقول الله تعالى بعد الأمر بالأكل: (... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين).
* * *
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ... (٥)
* * *
الظاهر أن هذه الآية وما قبلها من آيات، من قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكَمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) نزلت في يوم واحد؛ ولذلك كان قوله (الْيَوْمَ أُحِلَّ) إلى آخره.. هو ذات اليوم في قوله تعالى: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ)، وقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى...) فهو يوم واحد؛ لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كان المقصود واحدا، وهذا الكلام السامي كله نزل يوم عرفة، وهو تسجيل لأحكام باقية إلى يوم القيامة، والطيبات هي ما ذكر في الآية السابقة، وهي الحلال غير المستقذر طبعا وفطرة، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل أيضا، والجمهور قد اتفقوا على أن الطعام هو الحيوان الحلال لقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكمْ وَلِلسَّيَّارَةِ...)، ولقوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيل عَلَى نَفْسِهِ)، ولقوله تعالى: (قُل لاُّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ محرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا).


الصفحة التالية
Icon