الرأي يصح الزواج من الكتابيات، سواء أكن حرائر أم كن إماء، ويروى في ذلك أن النبي - ﷺ - تزوج مارية القبطية، وهي أَمَة (١).
وبعض الفقهاء ومنهم الشافعية قالوا: إن المراد بالمحصنات من أهل الكتاب الحرائر، فلا يحل من نساء أهل الكتاب إلا الحرائر، وقد ذكر هذا بقوله تعالى:
(وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ...)،
فقيد زواج الإماء هنا بأن يكنَّ من المؤمنات، كذلك قيد زواج الكتابيات هنا بأن يكنَّ من الحرائر.
والشيعة يمنعون زواج الكتابيات، على اعتبار أنهن يشركن في عبادتهن، والله تعالى يقول: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مؤْمِنَةٌ خَيْرٌ من مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ...)، ولكن إجماع غير الشيعة قد انعقد على إباحة الزواج من الكتابيات.
وقد ذكر سبحانه وتعالى وجوب المهور لهن، فقال تعالى: (... إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ).
أي إذا آتيتموهن مهورهن، وسمي المهر هنا أجرا، لتأكيد وجوبه، وقد قال تعالى من قبل: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً...)، أي عطاء، فذكر الأجر في هذا المقام لكيلا يكون ثمة استهانة بأي حق من حقوقهن، كما أكد العمل على عفتهن بقوله تعالى: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) أي طالبين بهذا الزواج الإعفاف، والصون لأنفسكم وأنفسهن، وحماية عرضكم وعرضهن، فمعنى الإحصان هنا العفة، بأن يجعل نفسه في حصن من الزنى، ويجعلها في حصن
________
(١) عن ابن عباس قال: لما ولدت مارية القبطية إبراهيمَ ابن النبي - ﷺ -، قال رسول الله - ﷺ -: " أعتقها ولدُها ". رواه الدارقطني (٤١٤٨) ج ٤، ص ١٣٢. قال ابن هشام: وأما إبراهيم فمن مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب إسكندرية من كورة أنصنا.