(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (٨)
* * *
ذكر الله سبحانه وتعالى ما به غذاء الأبدان، وهو كل طيب لَا خبث فيه، ثم أشار إلى ما فيه غذاء الأرواح وطهارة الأبدان، وهو الصلاة والوضوء لها، والاغتسال عند الإقدام عليها، فذكر الأطعمة الحلال، وذكر ما به بقاء أنس البشرى، وهو الزواج، ثم الوضوء وأركانه، والاغتسال والتيمم، وبعد أن ذكر ذلك الغذاء الفردي من جسم وروح ذكر الثمرة الطيبة لذلك، وهي بناء مجتمع إنساني سليم، أساسه الثقة والعدالة، وابتدأ سبحانه وتعالى بذكر نعم الله، ثم بذكر العدالة التي هي قوام هذا الوجود الإنساني، فقال تعالى:
(وَاذْكرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكمْ وَمِيثَاقَهُ الَذِى وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) الخطاب في هذه الآية للذين آمنوا، فهو امتداد للسياق الذي كان يتعلق بالصلاة، وما قبله من بيان الحلال والحرام كان يتعلق بالذين آمنوا، فالآية الكريمة سائرة على هذا النسق البياني الرائع، والأمر في الآية لطلب تذكر أمرين جليلين، وهما نعمة الله تعالى التي أنعمها على المؤمنين، وهي آلاء جليلة عظيمة، وتشمل نوعين من النعم، عامة وخاصة، فالعامة تعم الناس جميعا مشركهم ومؤمنهم، وهي نعمة الوجود، وتسخير الكون بكل ما فيه لبني الإنسان، والخاصة ما أسداه الله تعالى إلى المؤمنين، إذ هداهم وإذ كانوا قليلا فكثرهم، وكانوا متفرقين