وذكر إحاطة علم الله تعالى في هذا فيه إشارة إلى وجوب تطهير القلوب من الدنس، وتنظيفها من الشر، حتى لَا تربد به وتطمس، وفيه تنبيه إلى أنه من يريد السمع والطاعة عليه أن يتجه إلى قلبه، ويشعر بأن الله عليم به، مطلع عليه، لا تخفى عليه خافية.
* * *
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ... (٨)
* * *
معنى النص الكريم:
يَا أيُّهَا الذين اتصفوا بالإيمان بالله والخضوع، وكان ذلك الإيمان عنوانهم الذي يعرفون به، وشرفهم الذين يتشرفون به، كونوا قوامين لله، أي اجعلوا أنفسكم وإحساسكم ومشاعركم مطبوعة على أن تقوم لله ولأجل محبته سبحانه وطلب رضاه، لَا لهوى النفس ومنازع الشهوات، وكونوا شاهدين بالحق، لَا تطلبون سواه، وهذا هو المعنى الجلي المقرب لما اشتمل عليه النص الكريم، وهو أعْلى من أن تتسع عبارتنا لمعناه.
وهنا ملاحظات بيانية يجب اعتبارها والإشارة إلى كمال الحكمة في عمومها:
الأولى: (كونُوا) فهو أمر بالكينونة بأن يجعلوا القيام لله تعالى، والاعتبار به، والأخذ بهديه جزءا من كيانهم، وذلك بأن يستمروا على الطاعة ويديموا عليها، فإن الدوام على الفعل والاستمرار عليه يجعل النفس تنطبع به، ويكون جزءا منها، فالأمر بـ " كونوا " يتضمن الاستمرار والدوام، وأحب الأعمال إلى الله تعالى ما أمكن الاستمرار عليه، ليكون عادة للنفس بمنزلة الطبيعة، فالعادة طبع ثان، ولقد قال النبي - ﷺ -: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ " (١).
ثانيهما: قوله تعالى: (قَوَّامِينَ لِلَّهِ) فإن قوام معناها: من يبالغ بالقيام بالشيء وإتقانه والإتيان به على الوجه الأكمل، وكونه لله تعالى معناه أن تكون تلك المبالغة في الفعل لأجل الله تعالى، لَا شيء سواه، وهذا يتضمن " أمرين "
________
(١) سبق تخريجه.