أحدهما: أن يعمل الشخص على إتقان ما يعمل والمبالغة، فإن كان عبادة أتي بها على أكمل وجوهها، فالصلاة تكون كاملة، وكذلك الصوم.. إلخ. وهذا يشمل ما يعمله الإنسان في الحياة، سواء أكان عبادة أم كان أمرا من أمور الدنيا، وقد ورد أن النبي - ﷺ - قال: " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " (١).
وثانيهما: أن يكون ذلك لله، بأن يكون أصل العمل لله، وأن يكون إتقانه لله تعالى، فيتجه في كل الأعمال إلى الله تعالى، فالعامل في المصنع يعمل لله إن قصد بذلك نفع عباده، والتاجر كذلك، وإذا قصد بأعماله وجه الله، وما فيها من خير للعموم كان في عبادة مسستمرة، وليست العبادة مقصورة على الصلاة والصوم والحج، بل كل عبادة إذا قصد بها وجه الله تعالى، ولقد قال النبي - ﷺ -: " لا يؤمن أحدكم، حتى يحب الشيء لَا يحبه إلا لله " (٢).
الثالثة: في قوله تعالى (شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ) فإن شهداء تدل على الحضور، وعلى الإثبات وأداء الشهادة، وعلى الحكم وهي في النص الكريم تشمل كل هذا، فالمعنى: لَا يحكمون إلا بالقسط أي العدل، ولا يشهدون إلا بالعدل ولا يشهدون الزور، ولا يحضرون، إلا مايكون قسطا وعدلا، وما يكون قسطاسا مستقيما لاتحيّف فيه ولا انحراف، والمؤدى أن يكون حضورهم في القسط، ونطقهم بالقسط، وحكمهم بالقسط، وعملهم بالقسط، فلا يكون إلا للخير، وفي سبيل الخير دائما.
وعبر بالقسط، لأنه شامل للخير كله، ولأن العدل ميزان الخير، ولذا قال من بعد: (وَلا يَجْرِمَنَّكمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا).
الجرم في أصل معناه اللغوي: القطع، فيقال جرم الثمار أي قطعها، ثم أطلق على الكسب، وغلب على الكسب الإثم، ومنه أجرم بمعنى ارتكب إثما، لأنه كسبه، وقد يتضمن معنى الحمل معِ اشتماله على معنى الكسب الآثم، وهذا هو القريب من المعنى هنا، فمعنى (وَلا يجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ) لَا يحملنكم حملا آثما
________
(١) سبق تخريجه.
(٢) سبق تخريج ما في معناه من حديث صحيح.


الصفحة التالية
Icon