وتثبيت للمعرفة، والوعد الذي وعد الله تعالى به يتكون من أمرين عظيمين: أحدهما مغفرة عظيمة، والثاني أجر عظيم، أما المغفرة فمعناها: ستر الذنوب وإخفاءها، وإخفاء الذنوب من الله تعالى معناه ألا يقيم لها وزنا ويعفو عنها ويكفر السيئات ولا يجازى عليها، وأما إخفاؤها في الدنيا، فذلك لأن العمل الصالح يلقي في النفس نورا فيذهب أعتامها، إذ إن المرء إذا ارتكب سيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا استمرت السيئات ولم يكن ثمة عمل صالح، تكاثرت النكت السوداء حتى يربد القلب ويسود، وإن كان العمل الصالح أشرق النور فاختفت السيئات، وهذا معنى قوله تعالى: (... إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ...). ونكرت كلمة " مغفرة " للدلالة على عظمتها، وأنها مغفرة عظيمة لَا تحيط بها المدارك البشرية.
هذا هو الأمر الأول، أما الأمر الثاني: فهو الأجر العظيم، وهو الثواب، وسماه الله تعالى أجرا، أي أنه استحقاق على عمل صالح، وذلك كان من الله تكرما وفضلا، فكل شيء بفضل الله تعالى، وهو ذو الفضل العظيم.
* * *
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠)
* * *
بعد أن ذكر سبحانه جزاء الذين آَمنوا وعملوا الصالحات ذكر سبحانه الذين كفروا وكذبوا بآيات الله تعالى، رهذا النص الكريم يشتمل على وصف الذين لم يؤمنوا، وجزائهم.
وإن أولئك الذين لم يؤمنوا يتصفون بوصفين: أولهما: الكفر، وثانيهما: تكذيب آيات الله تعالى القائمة حجة على رسالة الرسول الذي أرسل إليهم، وقد ذكر الكفر سابقا على تكذيب الآيات مع أن الظاهر أن الكفر نتيجة لهذا التكذيب؛ وذلك لأن الكفر هنا معناه: جحود القلب، وطمس معالم الإدراك فقلوبهم غلف، قد غطيت عنها الحقائق، وغاب عنها الفهم الصحيح، والإنكار يكون مرتكزا في النفس، فلا تذعن ولا تصدق، وإذا كانت النفوس على هذا النحو، فإنه يكون التكذيب لكل ما تدل عليه الآيات الحسية، والمعجزات القطعية؛ لأن