ومن بعد الذلة عزة، ومن بعد أن كنتم تُظلَمون، وتُرامون بالسوء، صرتم يطلب الإنصاف منكم.
وقد أكد سبحانه وتعالى أنه هو سبحانه الذي رد الأذى وئدبير الشر، فقال مكررا كلمة الأيدي (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ) وفي ذلك إشارة إلى أنه سبحانه هو الذي قضى على موضع قوة أعدائهم، ومناط شدتهم، وهي الأيدي التي يكون بها البطش والصولة.
ولقد تكلم مفسرو الأثر وغيرهم في سبب نزول هذه الآية، وخصصوا، واللفظ عام، فقالوا: إن يد البطش والغدر كان قد هم بها ناس للاعتداء على شخص النبي - ﷺ -، والاعتداء عليه اعتداء على المسلمين، وكف الاعتداء عنه نعمة على كل المسلمين، وقالوا في ذلك روايات مختلفة تنتهي إلى خبرين:
أولهما: أنه روى من حديث جابر وغيره أن رجلا من بني محارب قام على رأس رسول الله - ﷺ - في وقت الراحة ومعه السيف، وقال للرسول من يمنعك؟ قال الرسول - ﷺ -: " الله " فوقع السيف من يده، فأخذه النبي - ﷺ - وقال: " من يمنعك مني "، فقال الرجل: كن خير آخذ. قال الرسول - ﷺ -: " تشهد أن لَا إله إلا الله، وأني رسول الله " قال: " أعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع من يقاتلونك، فخلى سبيله، فجاء إلى قومه، وقال: جئتكم من عند خير الناس " (١).
ثانيهما: أن النبي - ﷺ - ذهب إلى بني النضير ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، يطلبون منهم الإعانة على دية رجلين قتلا، وكان للنبي - ﷺ - عقد مع بني النضير عهدا على ألا يحاربوه، وأن يعينوه على الديات، فلما طالبهم بحكم هذا العهد أظهروا القبول، وأخفوا الغدر، فقالوا: نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك، ونعطيك الذي سألتنا،
________
(١) رواه بهذا اللفظ أحمد باقي مسند المكثرين - باقي المسند السابق (١٤٧٦٨)، ورواه البخاري: الجهاد والسير - من علق سيفه (٢٩١٠)، ومسلم: الفضائل - توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له (٨٤٣) عن جابر رضي الله عنه بنحوه.