يختبر الأمم بالضر يصيب أجسامهم، وبالبؤس يصيب نفوسهم، ولقد زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فظنوه حسنا، وأنهم كما نسوا ما ذكِّروا به اختبروا بالنعمة، ثم أخذوا بغتة، وهم لَا يشعرون، وقطع دابرهم بسبب ظلمهم، وذكرهم سبحانه بأنه إذا أخذ سمعهم وبصرهم لَا يدركون، وذكر أنه يصرف لهم الآيات، ويوجههم إلى الحقائق الثابتة عساهم يفقهون الأمور على وجهها. وقد بين سبحانه عمل الرسل وهو التبشير للمتقين والإنذار للمكذبين، وأن محمدا - ﷺ - لَا يقول لهم: عندي خزائن الله أصرفها كما أشاء، ولا يقول لهم: إنه يعلم الغيب، ولا يقول لهم: إنه ملك، بل إنه يتبع ما يوحى إليه، والناس مختلفون بعد ذلك في تلقى نور الوحي، وجزاؤهم على حسب حالهم فلا يستوي المحسن والمسيء كما لا يستوي الأعمى والبصير.
وإن الإنذار يكون أثره في قلوب الذين يخافون يوم القيامة وما يكون فيه من هول.
وإنه يجب أن يكرم أهل الإيمان، ولا يطردوا لفقرهم أو ضعفهم، فإنه من فتنة الناس بعضهم ببعض أن يوفق للحق الضعفاء، ويكذبه الأقوياء ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا، ويجب على النبي - ﷺ - أن يرحب بالمؤمنين ويبين الحق لهم، وأن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة، وهي العدالة وجزاء الحسن بالحسن، والعفو عن السيئ الذي ارتكب بجهالة، وأمر الله نبيه أن يتخذ من نفسه قدوة حسنة، فيقول: إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دونه وألا أتبع أهواءكم، وأنه على بينة من ربه، وأنه ليس بيده العذاب الذي يستعجلونه، ولو كان عندي لقضى الأمر الذي بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين.
وإن الغيب كله عند الله تعالى، فعنده سبحانه مفاتحه لَا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، ويعلم ما نكسب بالنهار ويتوفانا بالليل، ويستمر الإنسان بين الليل والنهار، حتى يُقضى أجل مسمى، ثم يكون المرجع إلى الله تعالى. وأنه سبحانه فوق هذا العلم المحيط، له القوة الكاملة، فهو القاهر فوق