وقد بين بعد ذلك بعض صفاته، فهو لَا تدركه الأبصار؛ لأنه غير محسوس، وهو يدرك الأبصار، وهو العالم علما دقيقا لكل شيء، وأن كل ما سبق؛ فيه ما يبصركم بالحق، والتبعة عليكم بعده، (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)، وإن هذا كله تصريف في القول المعجز، ليؤمنوا وليقولوا: درست على ربك. ومن بعد ذلك أمر الله تعالى نبيه الكريم بأن يتبع ما يوحى إليه، وأن يعرض عن المشركين، والله تعالى هو الذي كتب عليهم الكفر، وما كان النبي - ﷺ - حافظا يمنع عنهم الكفر، ولا حاميا يدافع عنهم.
ولقد علم الله المؤمنين الحكمة بأن ينظروا إلى مآلات أقوالهم ولو كانت حقا، فلا يسبوا ألهة المشركين حتى يندفعوا فيسبوا الله تعالى ظالمين جاهلين، ثم هم معاندون، يقسمون أنهم إن جاءتهم معجزة غير القرآن يؤمنوا، فردهم سبحانه بأنه يختار من الآيات ما يكون مناسبا وله الحكمة، والله سبحانه هو مقلب القلوب، فليتركوا في ضلالهم وعمايتهم بعد البيان المرشد الحكيم.
وأن هؤلاء كتب الله تعالى عليهم الشقوة إلا أن يرحمهم فيتركوا ما هم فيه من ضلالة، فلا تجدي فيهم الآيات إلا أن يشاء الله تعالى، فلو أنزل الله تعالى عليهم الملائكة، وكلمهم الموتى معلنين بعثهم، وجمع عليهم كل شيء يكون في المستقبل ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، والله سبحانه وتعالى قد اختبر الأنبياء فجعل لهم من شياطين الإنس والجن أعداء يزخرف بعضهم لبعض القول ويغرونهم، ولو شاء الله تعالى ما فعلوه، فذرهم وما يفترون، وأنه لتصغى إليه أفئدة الذين لَا يؤمنون بالغيب والآخرة، بل لَا يفهمون إلا ما بين أيديهم، وبذلك يقترفون الآثام التي يقترفونها لأنهم يقولون إن هذه الحياة الدنيا هي وحدها الحياة.
وأنه لَا يمكن أن يكون للمؤمن حكم غير الله؛ لأنه هو الذي أنزل الكتاب مبينا فيه كل شيء وأهل الكتاب يعرفون ذلك، ولا يصح أن يكون ذلك موضع شك، وأنه ببيان القرآن تمت كلمة ربك صدقا وعدلا، وهو السميع العليم، ولا يجوز التقليد للآباء والبيئات، فإنه إن يطع النبي من في مكة أو بلاد العرب يضل عن