ولقد بين سبحانه أنه أباح الطيبات وهو الذي خلقها وأنشأها للناس، فذكر أنه أنشأ جنات معروشات كالأعناب وغير معروشات كالبرتقال وغيره، والنخل والزرع مختلنما أكله من قمح وشعير وفول وبقول والزيتون والرمان متشابها آحاده وأنواعه وغير متشابه، وخلق ليؤكل، كلوا من ثمره، وآتوا ما عليه من زكوات يوم حصاده ولا تسرفوا في الأخذ حتى لَا تطغوا إن الله لَا يحب المسرفين، وبعد أن بين النعم فيما تخرجه الأرض بين نعمه، فمن الأنعام حمولة تحملكم من أرض إلى أرض أنتم وأمتعتكم وتتخذون من جلودها وأشعارها وأوبارها فرشا، ولا تتبعوا خطوات الشيطان في طعامها وتحريم بعضها، وتحليل بعضها، فسبب التحريم ليس متحققا فيها، فهي ثمانية أزواج؛ من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، فما سبب التحريم الذي تبتدعونه في بعضها فهل في الذكورة، فتحرموا كل الذكور؟ أم في الأنوثة فتحرموا كل الإناث؟ أم فيهما فتحرم كلها؛ وأنتم تحرمون بعض الذكور دون بعض، فلا مبرر للتحريم، والتحريم ظلم وافتراء، ومن أظلم ممن افترى على الله ليضل الناس بغير علم، إن الله لَا يهدي القوم الظالمين، ثم أمر رسوله بأن يبين المحرمات من الأنعام وهي: الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وكل هذا رجس قذر، وما أهل لغير الله وهو فسق، وذلك كله حرام على المختار فمن اضطر غير متعدّ، ولا متجاوز حد الضرورة فإن الله غفور رحيم، ثم بين سبحانه ما حرمه على اليهود لغلظ قلوبهم، فذكر أنه حرم عليهم كل ذي ظفر من البهائم، وحرم من البهائم شحومها إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط من الشحوم بالعظم، وكان تهذيبا لنفوسهم الشرهة، وجزاء لبغيهم.
وذكر سبحانه أن المشركين يكلون شركهم إلى تقدير ربهم، أي يأثمون، ولا يحملون أنفسهم إثمهم، وكذلك كل الفاسقين حتى يروا بأس الله تعالى يوم القيامة - وهل عندهم علم سوَّغ أن يحملوا غيرهم إثم فعلهم، فيحرموا ما حرموا؛ إن يتبعون إلا الظن الكاذب والوهم، والله عنده الحجة البالغة، وهاتوا