فما طلبوا أن ينزل عليه ملك لَا يرونه، لأنه كان ينزل عليه جبريل الأمين على قلبه ليكون من المنذرين؛ إنما كان مطلبهم أن يكون مع النبي - ﷺ - ويخاطبهم بالشهادة له بالتأييد والنصرة فيما يدعو إليه.
وقد رد عليهم خالق الكون بردين يبينان سذاجة تفكيرهم - أولا - وعنتهم ومعاندتهم للحق - ثانيا.
الأول - يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ) والمعنى القريب إلينا، أننا نحن الله العلي القدير القاهر فوق عباده لو أنزلنا ملكا لقضى الأمر أي لانتهى أمر الدعوة، وألزمتهم نتيجتها في الدنيا، ولعوقبوا على تكذيبهم عاجلا، ولا يكون العقاب آجلا في الآخرة، بل يكون في هذه الحياة وترون أثر تكذيبهم، ولا (تنظرون) أي لَا تمهلون إلى اليوم الآخر، ولا ينطبق عليكم قول الله تعالى: (قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ)، فقضاء الأمر إنهاء أمر الدعوة بالهلاك، ولكن دعوة محمد جهاد مستمر، لَا ينتهي أمرها بإهلاك المعاندين، كما تحققت دعوة نوح في قومه: (وَقَالَ نُوحٌ ربِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)، إنما دعوة محمد - ﷺ - جهاد بالحق، ومغالبة للباطل، حتى يدفع الباطل بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق، وهي صورة باقية واضحة في الجهاد إلى يوم القيامة؛ لأنها شريعة دائمة لدفع الناس بعضهم لبعض، ولولا ذلك لفسدت الأرض، وإذا كانت شريعته هي خاتمة الشرائع تكون للبقاء، فإنها لا تنتهي بمجرد معاندتها في ابتداء أمرها.
وإن الله سبحانه وتعالى قد أهلك ولم يُنظِر كما فعل مع قوم عاد وقوم لوط، وقوم شعيب؛ لأن الله تعالى لم يقدر أن يكون منهم مجاهدون مغالبون للباطل إلى يوم القيامة، فجعلهم عبرة المعتبرين.
الأمر الثاني - الذي رد به طلبهم التعنت كان بقوله:
* * *
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)
* * *


الصفحة التالية
Icon