حال أول من ينشئ الإسلام ويذعن لله سبحانه وتعالى، وكأنه يقول لهم: أنا منكم، وأُمرت أن أكون أول من يخترق الحجزات لأذعن لله الواحد الأحد الفرد الصمد، ثم قال تعالى: (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي أنه كما أمر أن يكون أول المذعنين لأوامر الله تعالى المخلصين له، نهى أن يكون من المشركين، بأن يكون في صفوف المشركين الذين يجعلون مع الله تعالى غيره معبودا، وأن أخرج من صفوف المشركين وإن كانوا قومي وعشيرتي، وفيهم الأقربون، وهنا نثير ثلاثة أمور نقرب بها معنى النص الكريم:
أولها - كيف تعطف الجملة الإنشائية على الجملة الخبرية، إذ إن الأولى أمرت، والثانية - ولا تكونن من المشركين؟ وقد أجاب عن ذلك العلماء بإجابات مختلفة، والذي نراه أن الجملة الأولى ظاهرها إخبارية، ولكن لتضمنها معنى الأمر كانت في معنى الجملة الطلبية الإنشائية، فإن نسق الكلام هكذا (كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين).
الثاني - لماذا كان النهي عن الشرك بعد الأمر بأن يكون أول مذعن لمطالب الإيمان بالواحدانية، والجواب عن ذلك أن النهي هو عن أن يكون من المشركين بأن يتبرأ منهم، ومن إشراكهم، ويخرج من صفوفهم، ولو كانوا قومه وعشيرته القربى، وإذا خرج من صفوف أهل الكفر كان في حزب الله، وحزب الله تعالى هم المفلحون.
الثالث - لماذا كان الالتفات من الإخبار الظاهر في قوله تعالى: (وأمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) إلى الخطاب في قوله تعالى: (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)؟ والجواب عن ذلك أن الخطاب فيه توكيد معنى النهي عن الشرك، وكلتا الجملتين للخطاب كما خرجنا في الأمر الأول، والله تعالى هو وحده الذي يملك الأمر والنهي.
* * *