الضُّرُّ...)، والضر هو الأمر المؤلم الذي ينزل بالمرء من ضيق في الرزق، أو مرض في الجسم، أو هزيمة في حرب أو نحو ذلك، فإذا مسَّك أيها النبي - ﷺ - ضر من هذا النوع الذي تتأثر به في دعوتك، فلا يكشف عنك هذا الضر - لتستمر في تبليغ رسالته - إلا الله تعالى، بعد أن تتخذ الأسباب، وظاهر هذا الكلام أن الخطاب يكون للنبي - ﷺ - ويكون لتقويته في تبليغ دعوته، وتأكيد ولايته، واستعانته به سبحانه وتعالى وحده.
ويصح أن يكون الخطاب لكل مؤمن قارئ للقرآن، أو لكل من هو أهل للخطاب، وفيه بيان أن الناس جميعا في سلطان الله، فما يصيبهم من نفع فبتقديره، وما يصيبهم من ضر فبتقديره وإرادته، وهو الكاشف لهذا الضر إن أراد ذلك كله مع الأخذ بالأسباب؛ لأن الأسباب لَا تعمل وحدها، إنما لَا بد معها من إرادة الله تعالى والتوكل عليه؛ ولذلك كان الله تعالى يأمر بالتوكل عليه بعد الأخذ بالأسباب، لأنها وحدها لَا تعمل إلا مع التفويض، كما أن النوم والتواكل لا يجديان، والتوكل في هذه الحال تواكل وليس اعتمادا على الله سبحانه وتعالى، وقوله تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كل شَيْء قَدِيرٌ) فيه المقابلة بين الخير والضر، وأن الأول يكشفه الله، والثاني بقدرة الله تعالى، والتعبير بالمس في الأمرين من قبيل التشاكل اللفظي، والكل تحت سلطان الله تعالى وقدرته، والخطاب للنبي - ﷺ - أو لكل من هو أهل للخطاب الذي يتلو القرآن الكريم، أو يستطيع تلاوته، وكشف الضر: إزالته، ومس الخير: نفعه، ولماذا عبر عن الضر بأن الله كاشفه، وعن مس النفع بقدرة الله تعالى؟ ونقول في الإجابة: إن من نزل به ضر يكون إحساسه بزواله، فعبر عن زواله بكشف الله تعالى، وأما النفع فإنه يكون صاحبه في حال تستوجب الحمد والثناء وطلب البقاء فيناسبه إثبات قدرة الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon