شهادة الله التي فصل بها في القضية، ونطق بها القرآن الكريم؛ ولذا أحيل بيانها إلى القرآن في قوله تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ) وفي هذا النص السامي يقابل بينها وبين شهادتهم وما يتبعه النبي - عليه الصلاة والسلام - أيتبع الله تعالى العلي الحكيم أم يتبع أهواءهم؟! معاذ الله أن يتبع الهوى بل إنه يتبع الهدى. والاستفهام هنا إنكاري لإنكار الواقع، فهم وقع منهم ذلك، وتأكد وقوعه ولم ينكروه؛ ولذلك كان تأكيد وقوعهم بأن قال تعالت كلماته: (أَئِنَّكُمْ) فهو إنكار لهذا الأمر الواقع منهم وقوعا مؤكدا، وإنكار الواقع توبيخ، فالاستفهام هنا يتضمن معنى تقرير ما وقع منهم وتوبيخهم عليه، وعبر بتشهدون للإشارة إلى قوة الضلال في نفوسهم إذ إنهم مع ضلال الفكرة الوثنية يعتقدونها أشد الاعتقاد؛ لأن الشهادة لَا تكون إلا بالعلم اليقيني، فهم يؤمنون بـ (تشهدون) بالشرك أي بأن مع الله آلهة أخرى، وتسمية الأوثان التي يشركون بها مع الله تعالى آلهة؛ لأن ذلك في زعمهم، فليست آلهة ولا يمكن أن تكون آلهة، إذ هي أوثان أو أشياء أو أشخاص لَا يكون منها نفع ولا ضرر، وليست مفيدة في ذاتها، وهم يعبدونها، فهي بزعمهم آلهة.
ووصفت بـ (أُخْرَى) مع أنها جمع، وكان الظاهر أن توصف بـ (أخَر) ليوصف الجمع بالجمع، ولكن لأنها مشتركة في وصف جامع وهو أنها أحجار فهي في المعنى شيء واحد؛ لذا وصفت، فهي في المعنى واحد، وكذا وصفت بما يوصف به الواحد لَا بما يوصف به العدد، والوصف بـ (أخرى) فيه إشارة إلى بطلان عبادتها.
وإنه من المبالغة في التوبيخ والتنديد أن يأمر الله تعالى نبيه بألا يشهد بما يشهدون، بل يشهد بشهادة الحق، فيقول تعالى: (قُلْ لَا أَشْهَدُ).
وفى أمر الله تعالى له بالقول مع التنديد لهم والتوبيخ لهم ما يدعو إلى الاقتداء والتأسى به - ﷺ - وهو العاقل الصادق الأمين المعروف بذلك بينهم جاهلية وإسلاما، وإن ذهبت اللجاجة ببعضهم إلى إنكار المعروف بلسانه لَا بقلبه.