(قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
هذا تقرير وتأكيد لمعنى الجملة السابقة وهي لَا أشهد وتحتمل أن تكون داخلة في مقول القول، ويكون مقول القول لَا أشهد وإنما هو إله واحد، ويحتمل أن تكون جملة مبتدأة، والفصل في الأول يكون لأنها بيان لما قبلها، وفي الثانية يكون لابتداء الكلام، وإن كان في المعنى فيه تقرير لما سبقه.
والضمير (هو) يعود على الله تعالى، وهذا النص السامي تضمن أمرين: أولهما - وحدة الله تعالى، وقدض عليه غوله تعالى: (إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) وهذا يفيد قصر الألوهية على الله تعالى فلا يعبد سواه سبحانه، ويفيد مع ذلك أنه لَا يتصور أن يكون المعبود بحق غير واحد؛ لأن المنشئ المكون المدبر واحد، ولا يتصور بمقتضى النظر إلا أن يكون المعبود واحدا.
الأمر الثاني - التصريح ببراءة النبي - ﷺ - مما يعبدون من أوثان يشركون بها مع الله تعالى: (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ). في هذا النص تنديد شديد بعبادة الأوثان؛ لأن الرجل العاقل يتبرأ منها، ولا يليق أن يعبدها، وقد أكد براءته بـ (إن)، وبالوصف (بريء) وبأن ذلك افتحال منهم، وليس ألوهية في شيء.
* * *
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ... (٢٠)
* * *
الذين آتاهم الله سبحانه وتعالى الكتاب هم اليهود والنصارى أوتوا التوراة والإنجيل، وهم بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين يعرفون محمدا - ﷺ - ورسالته، وبعثه وصفته ومهجره، ويؤمنون بالله تعالى ويوحدونه، ولا يشركون، يعرفون هذه الحقائق كما يعرفون أبناءهم الذين هم من أصلابهم فهو عندهم بمرتبة اليقين، وقد وردت الآثار بذلك.
ويروى في ذلك أن كفار مكة قالوا للنبي - ﷺ -: ما نرى أحدا يصدقك فيما تقول، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر فأرنا من يشهد أنك رسول الله، وروى ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما