فيها، وشهدت الكتب السابقة والذين يعتنقون ما فيها، فلماذا يكذِّبون ويشركون فماذا بعد الحق إلا الضلال، وأي خسارة نفسية أكثر من الفُجر في الخصومة، واللجاجة في البهتان حتى أصبحوا لَا يتصور الإيمان منهم.
* * *
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١)
* * *
الاستفهام هنا إنكاري للنفي وفيه توبيخ للمشركين، هو حكم على أمر واقع، ومعنى القول: لَا أحد أظلم من الذي قصد إلى الفرية على الله تعالى، أو كذب الحجج القائمة، أو كذب ما جاء في القرآن الكريم من آيات بينات، ومعنى النص أن المشركين كذبوا على الله تعالى بكل عقائدهم، وبذلك بلغوا أقصى درجات الظلم الذي لَا يوجد أعلى منه، إذ بلغوا أقصى غايات الكذب الذي يبهت العقلاء والأمناء الصادقين، وقد قال الزمخشري في بيان كذبهم على الله تعالى: (جمعوا بين أمرين متناقضين، فكذبوا على الله تعالى بما لَا حجة عليه، وكذبوا بما ثبت بالحجة البينة والبرهان الصحيح، حيث قالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، والله أمرنا بها، وقالوا: الملائكة بنات الله، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحرا ولم يؤمنوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم).
هذه بعض أكاذيبهم على الله تعالى التي بلغوا بها أقصى درجات الكذب، وبها استحقوا أن يكونوا هم، ومن يشابهونهم أكثر الناس افتراء، وأظلم الناس في هذا الافتراء، وخلاصتها أنهم كذبوا على الله تعالى بأن ادعوا عليه سبحانه ما لم يكن، وكانوا في ذلك مرتكبين لأعظم بهتان، وكذبوا بآياته، والآيات قسمان: آيات هي المعجزات، ومنها التي تحدى بها الأنبياء، والآيات الكونية، وقد كذبوا الاثنين، وكفروا بآيات الله تعالى في آيات الكون الدالة على إبداع خلقه، وأنه سبحانه هو الخالق وحده، وهناك الآيات القرآنية قد كذبوا بها فلم يؤمنوا.