ولا يمكن أن يفوزوا وهم على هذا الظلم؛ ولذلك ختم الله تعالى الآية بقوله تعالت كلماته: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فالظلم وخصوصا ظلم الكذب يفسد النفس، ويفسد العقل ويفسد العمل.
* * *
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢)
* * *
الكلام هنا متصل بما قبله، ذلك أن ختام الآية السابقة هو قوله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وذلك يومئ إلى أن الله لَا يوفقهم للخير في الدين؛ لأنهم
خسروا أنفسهم ولم يؤمنوا، ولأنهم أظلم الناس بافترائهم على الله، وتكذيبهم لآيات الله، ويوم يحشرهم أي يجمع الناس جميعا لَا يُستثنى منهم أحد، يكون الخسران المبين، والعذاب الأليم، والحرمان من النعيم.
وفى الآية الكريمة قراءتان ذكرهما الزمخشري، أولاهما - قراءة حفص بالنون في (نحشر) و (نقول) (١)، ومعناها ظاهر بين لَا يحتاج إلى تخريج أو تأويل، وثانيهما - بالياء في (يحشرهم) وفي (يقول)، ويكون الضمير في الأمرين يعود إلى الله تعالى، وهو مذكور عن قرب في الآية السابقة.
والحشر مؤكد بكلمة (جَمِيعًا)، وهذا التأكيد يمنع احتمال التخصيص، ويكون الضمير يعود على النابر أجمعين، وأن الذين يعاقبون ويحاسبون هم الذين أشركوا؛ ولذا قال تعالى: (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) والعطف بـ " ثم " كان لتعدد الوقائع قبل هذا الخطاب الموجه للمشركين خاصة، والذين اختصوا بالخطاب فيه؛ لأنه لَا شركاء يزعمونهم آلهة مع الله إلا عند الذين أشركوا، فهناك أمور تقع يوم القيامة قبل هذا الخطاب وكان تقدير القول هكذا: يوم نحشر يكون الحساب، وتحضر كل نفس ما كسبت، ويكون لكل امرئٍ كتابه، ويحصى عمله من خير وشر، ثم نقول للذين أشركوا: (أَيْنَ شركاؤُكمُ الَّذِينَ كنتُمْ تَزْعُمُونَ) الشركاء هم
________
(١) (ويوم يحشرهم.. ثم يقول) بالياء فيهما [الأنعام (٢٢)، وهي قراءة يعقوب، وقرأ بها عنه روح ورويس غاية الاختصار.