قيلهم عند فتنتنا إياهم اعتذارا مما سلف منهم من الشرك بالله إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين، فوضعت الفتنة موضع القول لمعرفة السامعين معنى الكلام.
وإنما الفتنة الاختبار والابتلاء، ولكن لما كان الجواب من القوم غير واقع هنالك إلا عند الاختبار وضعت الفتنة التي هي الاختبار موضع الخبر عن جوابهم واعتذارهم).
وخلاصة المعنى الذي يقرره ابن جرير أن الفتنة الاختبار، وأنها بهذا المعنى هي السبب للقول، والقول هو المسبب ويكون التخريج هكذا لم يكن القول المتسبب عن الفتنة إلا أن قالوا إنا كنا مشركين، فعبر عن المسبب بالسبب لبيان شدة الهول وما يترتب عليه.
* * *
(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤)
* * *
النظر هنا ليس هو نظر البصر، ولكنه نظر القلب والتأمل والتفكير والاعتبار، والنظر القلبي إنما هو إلى حالهم وما كانوا عليه من فزع واضطراب بسبب يوم القيامة الذي تزلزل فيه: (... وتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)، فهذا التصوير لحالهم بعد رؤيتهم هول يوم القيامة، إذ قالوا غير ما كان منهم كاذبين اعتذارا عما كان أو إنكارا، أو نسيانا للهول الذي هم فيه إذ ساروا سكارى لَا يعون، وهذا هو الذي نختاره فكذبهم بإخبارهم غير الواقع كان غفلة وذهولا؛ ولذا قال: (وَضَلَّ عَنْهُم مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) أي غاب عن ذاكرتهم فنسبوا ما كانوا يفترونه من قول فيشركون مع الله غيره في العبادة، فـ (ما) اسم موصول بمعنى (الذي)، وما أنساهم إلا الهول حتى أخبروا بغير ما وقع منهم، اللهم نجنا من كرب يوم القيامة وما فيه.
* * *
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ