وقد تفاهموا فيما بينهم على الإعراض (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَروا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ). وإذا وصل إلى سمعهم فهنالك غشاوة على قلوبهم تمنعهم من أن يشرق فيها نوره، وعلى ذلك لَا يكون لاستماعهم جدوى وفائدة، وهنا يسأل سائل، إذا كان منع الهداية من الله تعالى بالغشاوة على قلوبهم والختم عليها، وبالوقر في آذانهم فلا يسمعون سماع تبصر، وطلب للهداية فماذا يكون عليهم من تبعة يحاسبون عليها حسابا عسيرا بالعذاب الأليم؟ والجواب عن ذلك أن الله سبحانه وتعالى يسير الأمور وفق حكمته العليا، فمن يسلك سبيل الهداية يرشده، وينير طريقه، ويثيبه، ومن يقصد إلى الغواية، ويسير في طريقه تجيئه النذر تباعا إنذارا بعد إنذار، فإن أيقظت النذر ضميره وتكشفت العماية عن قلبه فقد اهتدى وآمن بعد كفر، ومن لم تجد فيه الشذر المتتابعة ولم توقظ له ضميرا، ولم تبصره من عمى، فقد وضع الله تعالى على قلبه غشاوة، وفى آذانه وقرا.
وقوله: (أَن يَفْقَهُوهُ) المصدر المكون من (أن) وما بعدها مضاف إلى مصدر محذوف يقدر على ما يناسب المقام من وضع غلاف يمنع النور، ووقر يمنع السمع، فيكون التقدير كراهة أن يفقهوه أو لمباعدة أن يفقهوه، ومعنى يفقهونه أن يدركوه إدراكا عميقا، ينفذون فيه إلى لبابه، وغاياته، فليس المراد مجرد الفهم والمعرفة، بل المعرفة النافذة التي تصل إلى اللب وتستولي على القلب.
وإن سبب ذلك كله هو الإعراض المطلق الذي سيطر على كبرائهم، وسبق الكفر إلى قلوبهم ومعارفهم، ومع هذا الإعراض، وبسببه يحكمون من غير أن يفقهوا فيقول ما حكاه الله عنهم.
(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا).
والكافر بالحق المعرض عن الأدلة يسبق كفره إيمانه، فالكفر سابق على التثبت والاستدلال، فهو متجه إلى الإنكار ابتداء؛ ولذلك وصف الله تعالى الذين