وبعد أن ذهبت ضجة العجل وسكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفيها هدى ورحمة - واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات الله، فلما أخذتهم الرجفة (... قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ...).
اتجه موسى وقومه ضارعينِ إلى الله تعالى، وقالوا: (... إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦).
وذكر منهم ممن تتسع له رحمته: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧).
ويأمر الله - تعالى - في هذه السورة نبيه محمد - ﷺ - بعد أن ذكر البشارة به بأن يقول: إنه رسول الله تعالى إلى الناس جميعا ويدعوهم إلى اتباعه.
وتعود الآيات إلى قوم موسى - عليه السلام - فيذكر أن (وَمِن قَوْمِ مُوسَى أمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) ويذكر أنه - سبحانه وتعالى - قطعهم في الأرض (... اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا...)، ثم يذكر - سبحانه وتعالى - آياته منهم ونعمه عليهم، من ضرب الحجر بعصا (... فَانْبَجسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاس مَّشْرَبَهُمْ...)، وأنه أنزل عليهم المن والسلوى، وأنه ظلل عليهم الغمام وأنهم لم يشكروا النعمة، بل كفروا بها.
ويذكر حالهم يوم السبت إذ حرم عليهم الصيد فيه (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ...).