هذا بالنسبة لمن لم يؤمن، فهو لهبم منذر مبين يحمل دليله في ذاته، وبالنسبة للمؤمنين قال تعالى: (وَذِكرَى لِلْمؤْمِنِينَ) والذكرى هي التذكير الدائم، فهذا الأمر ذكرى لكذا، أي مذكر دائم مستمر، يرجعون إليه، والقرآن ذكرى دائمة فيه التذكير الدائم برسالة النبي - ﷺ -، وفيه تذكير بالشريعة؛ لأن فيه كلياتها، وفيه تذكير بالرسل أجمعين؛ لأنه سجل معجزاتهم، وفيه تذكير دائم بالله تعالى وهو العلي الحكيم، وفيه الأوامر والنواهي، ولذلك قال تعالى:
* * *
(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٣)
* * *
إذا كان القرآن فيه ذكرى للمؤمنين، وإنذار للكافرين فاتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم مما يشتمل عليه القرآن الكريم، وما جاء به النبي - ﷺ -، فما أمركم به فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، فكل ما أمر به فقد أمر به الله، فما كان ينطق عن الهوى (من يُطِع الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ... ).
وقوله: (اتَبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكم مِّن رَّبكِمْ) فيه إشارات بيانية:
الأولى: أن ما اسم موصول صلته أنزل إليكم من ربكم، والصلة تكون سببا للحكم أو الأمر، فاتبعوا ما جاء به القرآن والنبي. وسبب ذلك أنه أنزل من ربكم الذي هو أعلم بما فيه صلاحكم في الدنيا والآخرة؛ لأنه ربكم الذي ذرأكم وإليه مرجعكم.
الثانية: أن قوله: (اتَّبِعُوا) فيه ملازمة لما أمر الله تعالى باقتفاء أثر النبي الذي أنزل إليه وأتباعه، وأتباعه أتباع لله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...).
الثالثة: قوله تعالى: (مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ) فيه إشارة إلى أن فيه خيرهم في الدنيا، وفيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وفيه إشعار بكمال ما كلفوه.